ويجوز أن يكون ذلك وعيدا لهم في أنه إن أذن في سقوطها كسفا عليكم سقطت كما في قولهم : أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا و (إِلَّا بِإِذْنِهِ) متعلق بأن تقع أي إلّا بإذنه فتقع. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يعود قوله (إِلَّا بِإِذْنِهِ) على الإمساك لأن الكلام يقتضي بغير عمد ونحوه ، فكأنه أراد إلّا بإذنه فيه يمسكها انتهى. ولو كان على ما قاله ابن عطية لكان التركيب بإذنه دون أداة الاستثناء أي يكون التقدير ويمسك السماء بإذنه.
(وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ) أي بعد أن كنتم جمادا ترابا ونطفة وعلقة ومضغة وهي الموتة الأولى المذكورة في قوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) (١) و (الْإِنْسانَ). قال ابن عباس : هو الكافر. وقال أيضا : هو الأسود بن عبد الأسد وأبو جهل وأبيّ بن خلف. وهذا على طريق التمثيل. (لَكَفُورٌ) لجحود لنعم الله ، يعبد غير من أنعم عليه بهذه النعم المذكورة وبغيرها.
و (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) روي أنها نزلت بسبب جدال الكفار بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان الخزاعيين وغيرهما في الذبائح وقولهم للمؤمنين : تأكلون ما ذبحتم وهو من قتلكم ، ولا تأكلون ما قتل الله فنزلت بسبب هذه المنازعة. وقال ابن عطية (هُمْ ناسِكُوهُ) يعطى أن المنسك المصدر ولو كان الموضع لقال هم ناسكون فيه انتهى. ولا يتعين ما قال إذ قد يتسع في معمول اسم الفاعل كما يتسع في معمول الفعل فهو موضع اتسع فيه فأجرى مجرى المفعول به على السعة ، ومن الاتساع في ظرف المكان قوله :
ومشرب أشربه رسيل |
|
لا آجن الماء ولا وبيل |
مشرب مكان الشرب عاد عليه الضمير ، وكان أصله أشرب فيه فاتسع فيه فتعدى الفعل إلى ضميره ومن الاتساع سير بزيد فرسخان. وقرىء (فَلا يُنازِعُنَّكَ) بالنون الخفيفة أي أثبت على دينك ثباتا لا يطمعون أن يجذبوك ، ومثله (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ) (٢) وهذا النهي لهم عن المنازعة من باب لا أرينك هاهنا ، والمعنى فلا بد لهم بمنازعتك فينازعوك. وقرأ أبو مجلز (فَلا يُنازِعُنَّكَ) من النزع بمعنى فلا يقلعنك فيحملونك من دينك إلى أديانهم من نزعته من كذا و (الْأَمْرِ) هنا الدين ، وما جئت به وعلى ما روي في سبب النزول يكون (فِي الْأَمْرِ) بمعنى في الذبح (لَعَلى هُدىً) أي إرشاد. وجاء و (لِكُلِّ أُمَّةٍ) بالواو وهنا (لِكُلِ
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٨.
(٢) سورة القصص : ٢٨ / ٨٧.