مسعود وغيره : عند قيام الناس من القبور فلهول المطلع اشتغل كل امرئ بنفسه فانقطعت الوسائل وارتفع التفاخر والتعاون بالأنساب. وعن قتادة : ليس أحد أبغض إلى الإنسان في ذلك اليوم ممن يعرف لأنه يخاف أن يكون له عنده مظلمة ، وفي ذلك اليوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه. وقيل : (فَلا أَنْسابَ) أي لا تواصل بينهم حين افتراقهم إلى ما أعدّ لهم من ثواب وعقاب ، وإنما التواصل بالأعمال.
وقرأ عبد الله ولا يساءلون بتشديد السين أدغم التاء في السين إذ أصله (يَتَساءَلُونَ) ولا تعارض بين انتفاء التساؤل هنا وبين إثباته في قوله (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (١) لأن يوم القيامة مواطن ومواقف ، ويمكن أن يكون انتفاء التساؤل عند النفخة الأولى ، وأما في الثانية فيقع التساؤل.
وتقدم الكلام في الموازين وثقلها وخفتها في أوائل الأعراف. وقال الزمخشري ؛ (فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) بدل من خسروا أنفسهم ولا محل للبدل والمبدل منه لأن الصلة لا محل لها أو خبر بعد خبر لأولئك أو خبر مبتدأ محذوف انتهى. جعل (فِي جَهَنَّمَ) بدلا من (خَسِرُوا) وهذا بدل غريب ، وحقيقته أن يكون البدل الفعل الذي يتعلق به (فِي جَهَنَّمَ) أي استقروا في جهنم ، وكأنه من بدل الشيء من الشيء وهما لمسمى واحد على سبيل المجاز لأن من خسر نفسه استقر في جهنم. وأجاز أبو البقاء أن يكون (الَّذِينَ) نعتا لأولئك ، وخبر (فَأُولئِكَ فِي جَهَنَّمَ) والظاهر أن يكون خبرا لأولئك لا نعتا.
وخص الوجه باللفح لأنه أشرف ما في الإنسان ، والإنسان أحفظ له من الآفات من غيره من الأعضاء ، فإذا لفح الأشرف فما دونه ملفوح. ولما ذكر إصابة النار للوجه ذكر الكلوح المختص ببعض أعضاء الوجه وفي الترمذي تتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه ، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته قال هذا حديث حسن صحيح. وقرأ أبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة كلحون بغير ألف.
(أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ
__________________
(١) سورة الصافات : ٣٧ / ٢٧.