أجراها مجرى صفات الأمكنة نحو أرض مسبعة ومكان مضبة ، وقالوا : الولد مبخلة مجبنة (فَظَلَمُوا بِها) أي بعقرها بعد قوله (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) (١) الآية. وقيل : المعنى أنهم جحدوا كونها من عند الله. وقيل : جعلوا التكذيب بها موضع التصديق وهو معنى القول قبله ، والظاهر أن الآيات الأخيرة غير الآيات الأولى ، لوحظ في ذلك وصف الاقتراح وفي هذه وصف غير المقترحة وهي آيات معها إمهال لا معاجلة كالكسوف والرعد والزلزلة. وقال الحسن : والموت الذريع ، وفي حديث الكسوف : «فافزعوا إلى الصلاة». قال ابن عطية : وآيات الله المعتبر بها ثلاثة أقسام قسم عام في كل شيء إذ حيث ما وضعت نظرك وجدت آية. وهنا فكرة العلماء ، وقسم معتاد كالرعد والكسوف ونحوه وهنا فكرة الجهلة فقط ، وقسم خارق للعادة وقد انقضى بانقضاء النبوة وإنما يعتبر توهما لما سلف منه انتهى. وهذا القسم الأخير قال فيه وقد انقضى بانقضاء النبوة وكثير من الناس يثبت هذا القسم لغير الأنبياء ويسميه كرامة.
وقال الزمخشري : إن أراد بالآيات المقترحة فالمعنى لا نرسلها (إِلَّا تَخْوِيفاً) من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدمة له ، فإن لم يخافوا وقع عليهم ، وإن أراد غيرها فالمعنى (وَما نُرْسِلُ) ما نرسل من الآيات كآيات القرآن وغيرها (إِلَّا تَخْوِيفاً) وإنذارا بعذاب الآخرة. وقيل : الآيات التي جعلها الله تخويفا لعباده سماوية كسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والرعد ، والبرق ، والصواعق ، والرجوم وما يجري مجرى ذلك. وأرضية زلازل ، وخسف ، ومحول ونيران تظهر في بعض البلاد ، وغور ماء العيون وزيادتها على الحد حتى تغرق بعض الأرضين ، ولا سماوية ولا أرضية الرياح العواصف وما يحدث عنها من قلع الأشجار وتدمير الديار وما تسوقه من السواقي والرياح السموم.
(وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً).
لما طلبوا الرسول بالآيات المقترحة وأخبر الله بالمصلحة في عدم المجيء بها طعن الكفار فيه ، وقالوا : لو كان رسولا حقا لأتى بالآيات المقترحة فبين الله أنه ينصره ويؤيده وأنه (أَحاطَ بِالنَّاسِ). فقيل بعلمه فلا يخرج شيء عن علمه. وقيل : بقدرته فقدرته غالبة كل شيء. وقيل : الإحاطة هنا الإهلاك كقوله (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) (٢) والظاهر أن الناس عام.
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٧٣.
(٢) سورة الكهف : ١٨ / ٤٢.