الآجل انتهى. وهو جار على مذهب المعتزلة في أنه لا تغفر الذنوب بدون التوبة ، وبأنه لا شفاعة في الكبائر ، وبأنه لا يخرج من النار أبدا من دخلها من فاسق مؤمن. وانتصب (غُرُوراً) وهو مصدر على أنه وصف لمصدر محذوف أي وعدا غرورا على الوجوه التي في رجل صوم ، ويحتمل أن يكون مفعولا من أجله أي وما يعدكم ويمنيكم ما لا يتم ولا يقع إلّا لأن يغركم ، والإضافة إليه تعالى في (إِنَّ عِبادِي) إضافة تشريف ، والمعنى المختصين بكونهم (عِبادِي) لا يضافون إلى غيري كما قال في مقابلهم أولياؤهم الطاغوت وأولياء الشيطان.
وقيل : ثم صفة محذوفة أي (إِنَّ عِبادِي) الصالحين ، ونفى السلطان وهو الحجة والاقتدار على إغوائهم عن الإيمان ويدل على لحظ الصفة قوله (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) (١). وقال الجبائي : (عِبادِي) عام في المكلفين ، ولذلك استثنى منه في أي من اتبعه في قوله (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (٢) واستدل بهذا على أنه لا سبيل له ولا قدرة على تخليط العقل وإنما قدرته على الوسوسة ، ولو كان له قدرة على ذلك لخبط العلماء ليكون ضرره أتم ، ومعنى (وَكِيلاً) حافظا لعباده الذين ليس له عليهم سلطان من إغواء الشيطان أو (وَكِيلاً) يكلون أمورهم إليه فهو حافظهم بتوكلهم عليه.
(رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً* أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً* أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً).
لما ذكر تعالى وصف المشركين في اعتقادهم آلهتهم وأنها تضر وتنفع ، وأتبع ذلك بقصة إبليس مع آدم ، وتمكينه من وسوسة ذريته وتسويله ذكر ما يدل من أفعاله على وحدانيته ، وأنه هو النافع الضار المتصرف في خلقه بما يشاء ، فذكر إحسانه إليهم بحرا وبرا ، وأنه تعالى متمكن بقدرته مما يريده. وإزجاء الفلك سوقها من مكان إلى مكان بالريح اللينة والمجاديف ، وذلك من رحمته بعباده وابتغاء الفضل طلب التجارة أو الحج فيه أو الغزو. والضر في البحر الخوف من الغرق باضطرابه وعصف الريح ، ومعنى (ضَلَ) ذهب
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ١٠٠.
(٢) سورة الحجر : ١٥ / ٤٢.