قال الزهري : وكان أبو هريرة يقول : ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال الزهري في بعض حديثه :
حتى إذا كان ببعض الطريق قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن خالد بن الوليد بالغميم (١) في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين» ، فو الله ما شعر بهم خالد حتى إذا كان بقترة الجيش ـ قال عبد الرزّاق : القترة الغبار ـ فانطلق يرتكض (٢) نذيرا لقريش.
وسار النبي صلىاللهعليهوسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها ، بركت به راحلته ، فقال الناس : حل حل (٣) ، فألحت ، فقالوا : خلأت (٤) القصواء خلأت القصواء ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما خلأت القصواء ، وما ذلك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل» ، ثم قال : «والذي نفسي بيده لا يسألوني حطّة (٥) يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» ثم زجرها ، فوثبت به.
قال : فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد (٦) قليل الماء ، إنما يتبرّضه (٧) الناس تبرّضا ، فلم يلبث الناس أن نزحوه ، فشكوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم العطش ، فنزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه ، قال : فو الله ما زال يجيش لهم بالريّ حتى صدروا عنه ، فبينما هم كذلك إذ جاءه بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه بني خزاعة ، وكانوا عيبة نصح رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أهل تهامة ، فقال : إني تركت (٨) كعب بن لؤي ، وعامر بن لؤي نزلوا بحذاء مياه الحديبية ، معهم العوذ (٩) المطافيل وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّا لم نجئ لقتال أحد ، ولكنّا جئنا معتمرين ، وإنّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين البيت ، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه
__________________
(١) الغميم : موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة (معجم البلدان).
(٢) بالأصل وم و «ز» : يرتخص ، والمثبت عن د.
(٣) حل حل تقال للإبل لإزالتها عن مواضعها (القاموس).
(٤) خلأت أي بركت ، والخلاء في الإبل بمنزلة الحران في الدواب (راجع شرح السيرة لأبي ذر ص ٣٤٠).
(٥) يريد قول الله تعالى لبني إسرائيل : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ) والمعنى اللهمّ حط عنا ذنوبنا.
(٦) الثمد : الماء القليل الذي لا مادة له.
(٧) برض الماء من العين إذا خرج وهو قليل.
(٨) بالأصل و «ز» ، وم : «فقال أبيّ بن كعب» صوبنا الجملة عن د.
(٩) العوذ المطافيل : ذوات الأولاد من الإبل.