إلا الصغائر ، وهي تقع مكفرة ، فما له أثبت لنفسه خطيئة أو خطايا ، وطمع أن يغفر له؟ قلت : الجواب ما سبق ، أن استغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم وهضم لأنفسهم ، ويدل عليه قوله : أطمع ، ولم يجزم القول. انتهى. و (يَوْمَ الدِّينِ) : ظرف ، والعامل فيه يغفر ، والغفران ، وإن كان في الدنيا ، فأثره لا يتبين إلا يوم الجزاء ، وهو في الدنيا لا يعلم إلا بإعلام الله تعالى. وضعف أبو عبد الله الرازي حمل الخطيئة على تلك الثلاث ، لأن نسبة ما لا يطابق إلى إبراهيم غير جائز ، وحمله على سبيل التواضع قال : لأنه إن طابق في هذا الموضع زال الإشكال ، وإن لم يطابق رجع حاصل الجواب إلى إلحاق المعصية به ، لأجل تنزيهه عن المعصية. قال : والجواب الصحيح أن يحمل ذلك على ترك الأولى ، وقد يسمى خطأ. فإن من باع جوهرة تساوي ألفا بدينار ، قيل : أخطأ ، وترك الأولى على الأنبياء جائز. انتهى ، وفيه بعض تلخيص وتبديل ألفاظ للأدب بما يناسب مقام النبوة.
وقدم إبراهيم عليهالسلام الثناء على الله تعالى ، وذكره بالأوصاف الحسنة بين يدي طلبته ومسألته ، ثم سأله تعالى فقال : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) ، فدل على أن تقديم الثناء على المسألة من المهمات. والظاهر أن الحكم هو الفصل بين الناس بالحق. وقيل : الحكم : الحكمة والنبوة ، لأنها حاصلة تلو طلب النبوة ، لأن النبي ذو حكمة وذو حكم بين الناس. وقال أبو عبد الله الرازي : لا يجوز تفسير الحكم بالنبوة لأنها حاصلة ، فلو طلب النبوة لكانت مطلوبة ، إما عين الحاصلة أو غيرها. والأول محال ، لأن تحصيل الحاصل محال ، والثاني محال ، لأنه يمنع أن يكون الشخص الواحد نبيا مرتين ، بل المراد من الحكم ما هو كمال النبوة العملية ، وذلك بأن يكون عالما بالخير لأجل العمل به. انتهى. وقال ابن عطية : وقد فسر الحكم بالحكمة والنبوة ، قال : ودعاؤه عليهالسلام في مثل هذا هو في التثبت والدوام. وإلحاقه بالصالحين : توفيقه لعمل ينتظمه في جملتهم ، أو يجمع بينه وبينهم في الجنة. وقد أجابه تعالى حيث قال : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (١).
قال أبو عبد الله الرازي : وإنما قدّم قوله : (هَبْ لِي حُكْماً) على قوله : (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) ، لأن القوة النظرية مقدمة على القوة العملية ، لأنه يمكنه أن يعلم الحق ، وإن لم يعمل به ، وعكسه غير ممكن ، لأن العلم صفة الروح ، والعمل صفة البدن ، وكما أن الروح أشرف من البدن ، كذلك العلم أفضل من الإصلاح. انتهى. ولسان الصدق ، قال ابن عطية : هو الثناء وتخليد المكانة بإجماع من المفسرين. وكذلك أجاب الله دعوته ، فكل
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٣٠.