ملة تتمسك به وتعظمه ، وهو على الحنيفية التي جاء بها محمد صلىاللهعليهوسلم. قال مكي : وقيل معنى سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق ، فأجيبت الدعوة في محمد عليهالسلام ، وهذا معنى حسن ، إلا أن لفظ الآية لا يعطيه إلا بتحكم على اللفظ. انتهى. ولما طلب سعادة الدنيا ، طلب سعادة الآخرة ، وهي جنة النعيم ، وشبهها بما يورث ، لأنه الذي يقسم في الدنيا شبه غنيمة الدنيا بغنيمة الآخرة ، وقال تعالى : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) (١).
ولما فرغ من مطالب الدنيا والآخرة لنفسه ، طلب لأشد الناس التصاقا به ، وهو أصله الذي كان ناشئا عنه ، وهو أبوه ، فقال : (وَاغْفِرْ لِأَبِي) ، وطلبه المغفرة مشروط بالإسلام ، وطلب المشروط يتضمن طلب الشرط ، فحاصله أنه دعا بالإسلام. وكان وعده ذلك يوضحه قوله : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ) (٢) ، أي الموافاة على الكفر تبرأ منه. وقيل : كان قال له إنه على دينه باطنا وعلى دين نمروذ ظاهرا ، تقية وخوفا ، فدعا له لاعتقاده أن الأمر كذلك ، فلما تبين له خلاف ذلك تبرأ منه ، ولذلك قال في دعائه : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ). فلو لا اعتقاده أنه في الحال ليس بضال ما قال ذلك. (وَلا تُخْزِنِي) : إما من الخزي ، وهو الهوان ، وإما من الخزاية ، وهي الحياء. والضمير في (يُبْعَثُونَ) ضمير العباد ، لأنه معلوم ، أو ضمير (الضَّالِّينَ) ، ويكون من جملة الاستغفار ، لأنه يكون المعنى : يوم يبعث الضالون. وأتى فيهم : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ) بدل من : (يَوْمَ يُبْعَثُونَ). (مالٌ وَلا بَنُونَ) : أي كما ينفع في الدنيا يفديه ماله ويذب عنه بنوه. وقيل : المراد بالبنين جميع الأعوان. وقيل : المعنى يوم لا ينفع إعلاق بالدنيا ومحاسنها ، فقصد من ذلك الذكر العظيم والأكثر ، لأن المال والبنين هي زينة الحياة الدنيا. والظاهر أن الاستثناء منقطع ، أي لكن من أتى الله بقلب سليم ينفعه سلامة قلبه. قال الزمخشري : ولك أن تجعل الاستثناء منقطعا ، ولا بد لك مع ذلك من تقدير المضاف ، وهو الحال المراد بها السلامة ، وليست من جنس المال والبنين حتى يؤول المعنى إلى أن المال والبنين لا ينفعان ، وإنما ينفع سلامة القلب ، ولو لم يقدر المضاف لم يتحصل للاستثناء معنى. انتهى. ولا ضرورة تدعو إلى حذف مضاف ، كما ذكر ، إذ قدرناه ، لكن (مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ينفعه ذلك ، وقد جعله الزمخشري في أول توجيهه متصلا بتأويل قال : إلا من أتى الله : إلا حال من أتى الله بقلب سليم ، وهو من قوله :
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٦٣.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ١١٤.