تحية بينهم ضرب وجيع
وما ثوابه إلى السيف ، ومثاله أن يقال : هل لزيد مال وبنون؟ فيقول : ماله وبنوه سلامة قلبه ، تريد نفي المال والبنين عنه ، وإثبات سلامة القلب له بدلا عن ذلك. وإن شئت حملت الكلام على المعنى ، وجعلت المال والبنين في معنى الغنى ، كأنه قيل : يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى الله بقلب سليم ، لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه ، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه. انتهى. وجعله بعضهم استثناء مفرغا ، فمن مفعول ، والتقدير : لا ينفع مال ولا بنون أحدا إلا من أتى الله بقلب سليم ، فإنه ينفعه ماله المصروف في وجوه البر ، وبنوه الصلحاء ، إذ كان أنفقه في طاعة الله ، وأرشد بنيه إلى الدين ، وعلمهم الشرائع وسلامة القلب ، خلوصه من الشرك والمعاصي ، وعلق الدنيا المتروكة وإن كانت مباحة كالمال والبنين. وقال سفيان : هو الذي يلقى ربه وليس في قلبه شيء غيره ، وهذا يقتضي عمومه اللفظ ، ولكن السليم من الشرك هو الأعم. وقال الجنيد : بقلب لديغ من خشية الله ، والسليم : اللديغ. وقال الزمخشري : هو من بدع التفاسير وصدق.
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) : قربت لينظروا إليها ويغتبطوا بحشرهم إليها. (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) : أظهرت وكشفت بحيث كانت بمرأى منهم كقوله : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) (١) ، وذلك على سبيل التوبيخ. هل ينفعونكم بنصرهم إياكم ، أو ينتصرون هم فينفعون أنفسهم بحمايتها ، إذ هم وأنتم وقود النار؟ وقرأ الأعمش : فبرزت بالفاء ، جعل تبريز الجحيم بعد تقريب الجنة يعقبه ، وذلك لأن الواو للجمع ، فيمكن أن يكون كل واحد منهما ظهوره قبل الآخر ، وهو من تقديم الرحمة على العذاب ، وهو حسن ، لو لا أن رسم المصحف بالواو. وقرأ مالك بن دينار : (وَبُرِّزَتِ) بالفتح والتخفيف ؛ (الْجَحِيمُ) بالرفع ، بإسناد الفعل إليها اتساعا. ولما وبخهم وقرعهم ، أخبر عن حال يوم القيامة ، وجيء في ذلك كله بلفظ الماضي في أتى وأزلفت وبرزت. وقيل : (فَكُبْكِبُوا) ، لتحقق وقوع ذلك ، وإن كان لم يقع. والضمير في : فكبكبوا عائد على الأصنام ، أجريت مجرى من يعقل. قال الكرماني : فكبكبوا : قذفوا فيها. وقيل : جمعوا. وقيل : هدروا. وقيل : نكسوا على رؤوسهم يموج بعضهم في بعض. وقيل : ألقوا في جهنم ينكبون مرة بعد مرة حتى يستقروا في قعرها. (وَالْغاوُونَ) : هم الكفرة الذين
__________________
(١) سورة الملك : ٦٧ / ٢٧.