تطبع على قلوبهم. فشرع أشرافهم في تنقيص متبعيه ، وأن الحامل على انتفاء إيمانهم له ، كونه اتبعه الأرذلون.
وقوله : (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) ، جملة حالية ، أي كيف نؤمن وقد اتبعك أراذلنا ، فنتساوى معهم في اتباعك؟ وكذا فعلت قريش في شأن عمار وصهيب. والضعفاء أكثر استجابة من الرؤساء ، لأن أذهانهم ليست مملوءة بزخارف الدنيا ، فهم أدرك للحق وأقبل له من الرؤساء. وقرأ الجمهور : واتبعك فعلا ماضيا. وقرأ عبد الله ، وابن عباس ، والأعمش ، وأبو حيوة ، والضحاك ، وابن السميفع ، وسعيد بن أبي سعد الأنصاري ، وطلحة ، ويعقوب : واتباعك جمع تابع ، كصاحب وأصحاب. وقيل : جمع تبيع ، كشريف وأشراف. وقيل : جمع تبع ، كبرم وإبرام ، والواو في هذه القراءة للحال. وقيل : للعطف على الضمير الذي في قوله : (أَنُؤْمِنُ لَكَ) ، وحسن ذلك للفصل بلك ، قاله أبو الفضل الرازي وابن عطية وأبو البقاء. وعن اليماني : واتباعك بالجر عطفا على الضمير في لك ، وهو قليل ، وقاسه الكوفيون. والأرذلون : رفع بإضمارهم. قيل : والذين آمنوا به بنوه ونساؤه وكنانة وبنو بنيه ، فعلى هذا لا تكون الرذالة دناءة المكاسب ؛ وتقدم الكلام في الرذالة في هود في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) (١) ، وأرادوا بذلك تنقيص نوح عليهالسلام ، إذ لم يعلموا أن ضعفاء الناس هم أتباع الرسل ، كما ورد في حديث هرقل. وهذا الذي أجابوا به في غاية السخافة ، إذ هو مبعوث إلى الخلق كافة ، فلا يختلف الحال بسبب الفقر والغنى ، ولا شرف المكاسب ودناءتها.
وقال ابن عطية : ويظهر من الآية أن مراد قوم نوح نسبة الرذيلة إلى المؤمنين ، بتهجين أفعالهم لا النظر إلى صنائعهم ، يدل على ذلك قول نوح : (وَما عِلْمِي) الآية ، لأن معنى كلامه ليس في نظري ، وعلمي بأعمالهم ومعتقداتهم فائدة ، فإنما أقنع بظاهرهم وأجتزئ به ، ثم حسابهم على الله تعالى ، وهذا نحو ما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» ، الحديث بجملته انتهى. وقال الكرماني : لا أطلب العلم بما عملوه ، إنما على أن أدعوهم. وقال الزمخشري : وما علمي ، وأي شيء علمي ، والمراد انتفاء علمه بإخلاص أعمالهم واطلاعه على سرائرهم ؛ وإنما قال هذا لأنهم قد طعنوا في استرذالهم في إيمانهم ، وأنهم لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة ، وإنما آمنوا هوى وبديهة ، كما حكى الله عنهم في قوله : (الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) بادىء الرأي. ويجوز أن يتعالى لهم نوح
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ٢٧.