ثم حذرهم عذاب الله ، وأبرز ذلك في صورة الخوف لا على سبيل الجزم ، إذ كان راجيا لإيمانهم ، فكان من جوابهم أن قالوا : (سَواءٌ عَلَيْنا) وعظك وعدمه ، وجعلوا قوله وعظا ، إذ لم يعتقدوا صحة ما جاء به ، وأنه كاذب فيما ادعاه ، وقولهم ذلك على سبيل الاستخفاف وعدم المبالاة بما خوفهم به. وقرأ الجمهور : وعظت ، بإظهار الظاء. وروي عن أبي عمرو ، والكسائي ، وعاصم : إدغام الظاء في التاء. وبالإدغام ، قرأ ابن محيصن ، والأعمش ؛ إلا أن الأعمش زاد ضمير المفعول فقرأ : أوعظتنا. وينبغي أن يكون إخفاء ، لأن الظاء مجهورة مطبقة ، والتاء مهموسة منفتحة ، فالظاء أقوى من التاء ، والإدغام إنما يحسن في المتماثلين ، أو في المتقاربين ، إذا كان الأول أنقص من الثاني. وأما إدغام الأقوى في الأضعف ، فلا يحسن. على أنه قد جاء من ذلك أشياء في القرآن بنقل الثقات ، فوجب قبولها ، وإن كان غيرها هو أفصح وأقيس.
وعادل (أَوَعَظْتَ) بقوله : (أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) ، وإن كان قد يعادله : أم لم تعظ. كما قال : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا) (١) لأجل الفاصلة ، كما عادلت في قوله : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) (٢) ، ولم يأت التركيب أم صمتم ، وكثيرا ما يحسن مع الفواصل ما لا يحسن دونه. وقال الزمخشري : بينهما فرق ، يعني بين ما جاء في الآية وهي : أم لم تعظ ، قال : لأن المراد سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلا من أهله ومباشرته ، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك : أم لم تعظ. ولما لم يبالوا بما أمرهم به ، وبما ذكرهم من نعم الله وتخويفه الانتقام منهم ، أجابوه بأن قالوا : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ). وقرأ عبد الله ، وعلقمة ، والحسن ، وأبو جعفر ، وأبو عمرو ، وابن كثير ، والكسائي : خلق ، بفتح الخاء وسكون اللام ، فهو يحتمل أن يكون المعنى : إن هذا الذي تقوله وتدعيه إلا اختلاق الأولين من الكذبة قبلك ، فأنت على مناهجهم. وروى علقمة عن عبد الله : أن هذا إلا اختلاق الأولين. ويحتمل أن يكون المعنى : ما هي البنية التي نحن عليها إلا البنية التي عليها الأولون ، حياة وموت ولا بعث ولا تعذيب. وقرأ باقي السبعة : خلق ، بضمتين ؛ وأبو قلابة ، والأصمعي عن نافع : بضم الخاء وسكون اللام ؛ وتحتمل هذه القراءة ذينك الاحتمالين اللذين في خلق.
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ، وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ ،
__________________
(١) سورة ابراهيم : ١٤ / ٢١.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٩٣.