للإنذار والتبشير. والظاهر تعلق (بِلِسانٍ) بنزل ، فكان يسمع من جبريل حروفا عربية. قال ابن عطية ، وهو القول الصحيح : وتكون صلصلة الجرس صفة لشدة الصوت وتداخل حروفه وعجلة مورده وإغلاظه. ويمكن أن يتعلق بقوله : (لِتَكُونَ) ، وتمسك بهذا من رأى النبي صلىاللهعليهوسلم ، كان يسمع أحيانا مثل صلصلة الجرس ، يتفهم له منه القرآن ، وهو مردود. انتهى. وقال الزمخشري : (بِلِسانٍ) ، إما أن يتعلق بالمنذرين ، فيكون المعنى : لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان ، وهم خمسة : هود ، وصالح ، وشعيب ، وإسماعيل ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم وعليهم ؛ وإما أن يتعلق بنزل ، فيكون المعنى : نزله باللسان العربي المبين لتنذر به ، لأنه لو نزله باللسان الأعجمي ، لتجافوا عنه أصلا وقالوا : ما نصنع بما لا نفهمه؟ فيتعذر الإنذار به. وفي هذا الوجه ، إن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك ، تنزيل له على قلبك ، لأنك تفهمه ويفهمه قومك. ولو كان أعجميا ، لكان نازلا على سمعك دون قلبك ، لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها ، وقد يكون الرجل عارفا بعدة لغات ، فإذا كلم بلغتها التي لقنها أولا ونشأ عليها وتطبع بها ، لم يكن قلبه إلا إلى معاني تلك الكلم يتلقاها بقلبه ، ولا يكاد يفطن للألفاظ كيف جرت. وإن كلم بغير تلك اللغة ، وإن كان ماهرا بمعرفتها ، كان نظره أولا في ألفاظها ، ثم في معانيها. فهذا تقرير أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربي مبين. انتهى. وفيه تطويل.
(وَإِنَّهُ) ، أي القرآن (لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) : أي مذكور في الكتب المنزلة القديمة ، منبه عليه مشار إليه. وقيل : إن معانيه فيها ، وبه يحتج لأبي حنيفة في جواز القراءة بالفارسية في الصلاة ، على أن القرآن قرآن إذا ترجم بغير العربية ، حيث قيل : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) ، لكون معانيه فيها. وقيل : الضمير عائد على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أي إن ذكره ورسالته في الكتاب الإلهية المتقدمة يكون التفاتا ، إذ خرج من ضمير الخطاب في قوله : (عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ) إلى ضمير الغيبة ، وكذلك قبل في أن يعلمه ، أي أن يعلم محمدا صلىاللهعليهوسلم ، وتناسق الضمائر لشيء واحد أوضح. وقرأ الأعمش : لفي زبر ، بسكون الباء ، والأصل الضم ، ثم احتج عليهم بأنهم كان ينبغي أن يصحح عندهم أمره ، كون علماء بني إسرائيل يعلمونه ، أي أو لم يكن لهم علامة على صحة علم بني إسرائيل به؟ إذ كانت قريش ترجع في كثير من الأمور النقلية إلى بني إسرائيل ، ويسألونهم عنها ويقولون : هم أصحاب الكتب الإلهية. وقد تهود كثير من العرب وتنصر كثير ، لاعتقادهم في صحة دينهم. وذكر الثعلبي ، عن ابن عباس ، أن أهل مكة بعثوا إلى أحبار يثرب يسألونهم عن