وقال ابن عطية : والظاهر أن سليمان وجنوده كانوا مشاة في الأرض ، ولذلك يتهيأ حطم النمل بنزولهم في وادي النمل. ويحتمل أنهم كانوا في الكرسي المحمول بالريح ، فأحست النمل بنزولهم في وادي النمل ، ووادي النمل قيل بالشام. وقيل : بأقصى اليمن ، وهو معروف عند العرب مذكور في أشعارها. وقال كعب : وادي السدر من الطائف. والظاهر صدور القول من النملة ، وفهم سليمان كلامها ، كما فهم منطق الطير. قال مقاتل : من ثلاثة أميال. وقال الضحاك بلغته : الريح كلامها. وقال ابن بحر : نطقت بالصوت معجزة لسليمان ، ككلام الضب والذراع للرسول. وقيل : فهمه إلهاما من الله ، كما فهمه جنس النمل ، لا أنه سمع قولا. وقال الكلبي : أخبره ملك بذلك. قال الشاعر :
لو كنت أوتيت كلام الحكل |
|
علم سليمان كلام النمل |
والحكل : ما لا يسمع صوته. وذكروا اختلافا في صغر النملة وكبرها ، وفي اسمها العلم ما لفظه. وليت شعري ، من الذي وضع لها لفظا يخصها ، أبنو آدم أم النمل؟ وقالوا : كانت نملة عرجاء ، ولحوق التاء في قالت لا يدل على أن النملة مؤنث ، بل يصح أن يقال في المذكر : قالت نملة ، لأن نملة ، وإن كان بالتاء ، هو مما لا يتميز فيه المذكر من المؤنث. وما كان كذلك ، كالنملة والقملة ، مما بينه في الجمع وبين واحده من الحيوان تاء التأنيث ، فإنه يخبر عنه إخبار المؤنث ، ولا يدل كونه يخبر عنه إخبار المؤنث على أنه ذكر أو أنثى ، لأن التاء دخلت فيه للفرق ، لا دالة على التأنيث الحقيقي ، بل دالة على الواحد من هذا الجنس.
وقال الزمخشري ، وعن قتادة : أنه دخل الكوفة ، فالتف عليه الناس فقال : سلوا عما شئتم. وكان أبو حنيفة حاضرا ، وهو غلام حدث ، فقال : سلوه عن نملة سليمان ، أكانت ذكرا أم أنثى : فسألوه فأفحم ، فقال أبو حنيفة : كانت أنثى. فقيل له : من أين عرفت؟ فقال : من كتاب الله ، وهو قوله : (قالَتْ نَمْلَةٌ) ، ولو كان ذكرا لقال قال نملة. قال الزمخشري : وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى ، فيميز بينهما بعلامة ، نحو قولهم : حمامة ذكر وحمامة أنثى ، وهو وهي. انتهى. وكان قتادة بن دعامة السدوسي بصيرا بالعربية ، وكونه أفحم ، يدل على معرفته باللسان ، إذ علم أن النملة يخبر عنها إخبار المؤنث ، وإن كانت تنطلق على الأنثى والذكر ، إذ هو مما لا يتميز فيه أحد هذين ، فتذكيره وتأنيثه لا يعلم ذلك من إلحاق العلامة للفعل فتوقف ، إذ لا يعلم ذلك إلا بوحي من الله. وأما استنباط تأنيثه من كتاب الله من قوله : (قالَتْ نَمْلَةٌ) ، ولو كان ذكرا