من الإمام ، يبلغهم الدعوة ويدعوهم إلى الإسلام. وقد كتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى كسرى وقيصر وغيرهما ملوك العرب. وقال وهب : أمره بالتولي حسن أدب ليتنحى حسب ما يتأدّب به الملوك ، بمعنى : وكن قريبا بحيث تسمع مراجعاتهم. وقال ابن زيد : أمره بالتولي بمعنى الرجوع إليه ، أي ألقه وارجع. قال : وقوله : (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) في معنى التقديم على قوله : (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ). انتهى. وقاله أبو علي ، ولا ضرورة تدعو إلى التقديم والتأخير ، بل الظاهر أن النظر معتقب التولي عنهم. وقرىء في السبعة : فألقه ، بكسر الهاء وياء بعدها ، وباختلاس الكسرة وبسكون الهاء. وقرأ مسلم بن جندب : بضم الهاء وواو بعدها ، وجمع في قوله : (إِلَيْهِمْ) الهدهد قال : (وَجَدْتُها وَقَوْمَها). وفي الكتاب أيضا ضمير الجمع في قوله : (أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى) (١) ، والكتاب كان فيه الدعاء إلى الإسلام لبلقيس وقومها. ومعنى : (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) : أي تأمل واستحضره في ذهنك. وقيل معناه : فانتظر. ماذا : إن كان معنى فانظر معنى التأمل بالفكر ، كان انظر معلقا ، وماذا : إما كلمة استفهام في موضع نصب ، وإما أن تكون ما استفهاما وذا موصول بمعنى الذي. فعلى الأول يكون يرجعون خبرا عن ماذا ، وعلى الثاني يكون ذا هو الخبر ويرجعون صلة ذا. وإن كان معنى فانظر : فانتظر ، فليس فعل قلب فيعلق ، بل يكون ماذا كله موصولا بمعنى الذي ، أي فانتظر الذي يرجعون ، والمعنى : فانظر ماذا يرجعون حتى ترد إلى ما يرجعون من القول.
(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ ، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ، قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ ، قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ ، قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ ، وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ، فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ، ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ).
في الكلام حذف تقديره : فأخذ الهدهد الكتاب وذهب به إلى بلقيس وقومها وألقاه إليهم ، كما أمره سليمان. فقيل : أخذه بمنقاره. وقيل : علقه في عنقه ، فجاءها حتى وقف على رأسها ، وحولها جنودها ، فرفرف بجناحيه ، والناس ينظرون إليه ، حتى رفعت رأسها ،
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ٣١.