جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
لما ذكر أن الممتعين في الدنيا يحضرون إلى النار ، ذكر شيئا من أحوال يوم القيامة ، أي واذكر حالهم يوم يناديهم الله ، ونداؤه إياهم يحتمل أن يكون بواسطة وبغير واسطة ؛ (فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ)؟ أي على زعمكم ، وهذا الاستفهام على جهة التوبيخ والتقريع ؛ والشركاء هم من عبدوه من دون الله ، من ملك ، أو جنّ ، أو إنس ، أو كوكب ، أو صنم ، أو غير ذلك. ومفعولا (تَزْعُمُونَ) محذوفان ، أحدهما العائد على الموصول ، والتقدير : تزعمونهم شركاء. ولما كان هذا السؤال مسكتا لهم ، إذ تلك الشركاء التي عمدوها مفقودون ، هم أوجدوا هم في الآخرة حادوا عن الجواب إلى كلام لا يجدي.
(قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) : أي الشياطين ، وأئمة الكفر ورؤوسه ؛ وحق : أي وجب عليهم القول ، أي مقتضاه ، وهو قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١). و (هؤُلاءِ) : مبتدأ ، و (الَّذِينَ أَغْوَيْنا) : هم صفة ، و (أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) : الخبر ، و (كَما غَوَيْنا) : صفة لمطاوع أغويناهم ، أي فغووا كما غوينا ، أي تسببنا لهم في الغي فقبلوا منا. وهذا الإعراب قاله الزمخشري. وقال أبو عليّ : ولا يجوز هذا الوجه ، لأنه ليس في الخبر زيادة على ما في صفة المبتدأ. قال : فإن قلت : قد وصلت بقوله : (كَما غَوَيْنا) ، وفيه زيادة. قيل : الزيادة بالظرف لا تصيره أصلا في الجملة ، لأن الظروف صلات ، وقال هو : (الَّذِينَ أَغْوَيْنا) هو الخبر ، و (أَغْوَيْناهُمْ) : مستأنف. وقال غير أبي علي : لا يمتنع الوجه الأول ، لأن الفضلات في بعض المواضع تلزم ، كقولك : زيد عمرو قائم في داره. انتهى. والمعنى : هؤلاء أتباعنا آثروا الكفر على الإيمان ، كما آثرناه نحن ، ونحن كنا السبب في كفرهم ، فقبلوا منا. وقرأ أبان ، عن عاصم وبعض الشاميين : كما غوينا ، بكسر الواو. قال ابن خالويه : وليس ذلك مختارا ، لأن كلام العرب : غويت من الضلالة ، وغويت من البشم. ثم قالوا : (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) ، منهم ما كانوا يعبدوننا ، إنما عبدوا غيرنا ، و (إِيَّانا) : مفعول (يَعْبُدُونَ) ، لما تقدّم الفصل ، وانفصاله لكون
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ١١٩ ، وسورة السجدة : ٣٢ / ١٣.