وكان جهلة قريش يقولون : إن رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت ، ويضحكون من ذلك ، وما علموا أن الأمثال والتشبيهات طرق إلى المعاني المحتجبة ، فتبرزها وتصورها للفهم ، كما صور هذا التشبيه الفرق بين حال المشرك وحال الموحد. والإشارة بقوله : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ) إلى هذا المثل ، وما تقدم من الأمثال في السور. وعن جابر ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، تلا هذه الآية فقال : «العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه».
(خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) : فيه تنبيه على صغر قدر الأوثان التي عبدوها. ومعنى (بِالْحَقِ) : بالواجب الثابت ، لا بالعبث واللعب ، إذ جعلها مساكن عباده ، وعبرة ودلائل على عظيم قدرته وباهر حكمته. والظاهر أن الصلاة هي المعهودة ، والمعنى : من شأنها أنها إذا أدّيت على ما يجب من فروضها وسننها والخشوع فيها ، والتدبر لما يتلو فيها ، وتقدير المثول بين يدي الله تعالى ، أن (تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ). وقال ابن عباس ، والكلبي ، وابن جريج ، وحماد بن أبي سليمان : تنهى ما دام المصلي فيها. وقال ابن عمر : الصلاة هنا القرآن. وقال ابن بحر : الصلاة : الدعاء ، أي أقم الدعاء إلى أمر الله ، وأما من تراه من المصلين يتعاطى المعاصي ، فإن صلاته تلك ليست بالوصف الذي تقدم.
وفي الحديث أن فتى من الأنصار كان يصلي مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولا يدع شيئا من الفواحش والسرقة إلا ارتكبه ، فقيل ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «إن صلاتها تنهاه». فلم يلبث أن تاب وصلحت حاله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألم أقل لكم؟» ولا يدل اللفظ على أن كل صلاة تنهى ، بل المعنى ، أنه يوجد ذلك فيها ، ولا يكون على العموم. كما تقول : فلان يأمر بالمعروف ، أي من شأنه ذلك ، ولا يلزم منه أن كل معروف يأمر به. والظاهر أن (أَكْبَرُ) أفعل تفضيل. فقال عبد الله ، وسلمان ، وأبو الدرداء ، وابن عباس ، وأبو قرة : معناه ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه. وقال قتادة ، وابن زيد : أكبر من كل شيء ؛ وقيل : ولذكر الله في الصلاة أكبر منه خارج الصلاة ، أي أكبر ثوابا ؛ وقيل : أكبر من سائر أركان الصلاة ؛ وقيل : ولذكر الله نهيه أكبر من نهي الصلاة ؛ وقيل : أكبر من كل العبادة. وقال ابن عطية : وعندي أن المعنى : ولذكر الله أكبر على الإطلاق ، أي هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر ، والجزء الذي منه في الصلاة ينهى ، كما ينهى في غير الصلاة ، لأن الانتهاء لا يكون إلّا من ذاكر الله مراقبه ، وثواب ذلك الذاكر أن يذكره الله في ملأ خير من ملائه ، والحركات التي في الصلاة لا تأثير لها في النهي ، والذكر النافع هو مع العلم وإقبال القلب