على الاختصاص ، وأما على مذهبنا فيدل على الاهتمام ، وأما ما يدعيه من الاختصاص فمفهوم من آي كثيرة في القرآن منها : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (١). واللام في (لِيَجْزِيَ) ، قال الزمخشري : متعلق بيمهدون ، تعليل له وتكرير (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ، وترك الضمير إلى الصريح لتقديره أنه لا يفلح عنده إلا المؤمن الصالح. وقوله : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) ، تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس. وقال ابن عطية : ليجزي متعلق بيصدعون ، ويجوز أن تكون متعلقة بمحذوف تقديره ذلك ليجزي ، وتكون الإشارة إلى ما تقرر من قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ) ، (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً). انتهى. ويكون قسم (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) على هذين التقديرين اللذين ذكرهما ابن عطية محذوفا تقديره : كأنه قال : والكافرون بعدله ، ودل على حذف هذا القسيم قوله : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ). ومعنى نفي الحب هنا : أنه لا تظهر عليهم أمارات رحمته ، ولا يرضى الكفر لهم دينا. وقال الزمخشري : (مِنْ فَضْلِهِ) : بما تفضل عليهم بعد توفية الواجب من الثواب ، وهذا يشبه الكناية ، لأن الفضل تبع للثواب ، فلا يكون إلا بعد حصول ما هو تبع له ، أو أراد من عطائه ، وهو ثوابه ، لأن الفضول والفواضل هي الأعطية عند العرب.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ، اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ، وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ، فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ، فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ، وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ).
لما ذكر تعالى ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك ، ذكر ظهور الصلاح. والكريم لا يذكر لإحسانه عوضا ، ويذكر لعقابه سببا لئلا يتوهم به الظلم ؛ فذكر من أعلام قدرة إرسال الرياح مبشرات بالمطر ، لأنها متقدمة. والمبشرات : رياح الرحمة ، الجنوب
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٦٤.