سبحانه على أن الحكمة الأصلية والعلم الحقيقي هو العمل بهما ، أو عبادة الله والشكر له ، حيث فسر إيتاء الحكمة بالبعث على الشك. وقال الزجاج : المعنى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) لأن يشكر الله ، فجعلها مصدرية ، لا تفسيرية. وحكى سيبويه : كتبت إليه بأن قم. (فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) : أي ثواب الشكر لا يحصل إلا للشاكرين ، إذ هو تعالى غني عن الشكر ، فشكر الشاكر لا ينفعه ، وكفر من كفر لا يضره. و (حَمِيدٌ) : مستحق الحمد لذاته وصفاته.
(وَإِذْ قالَ) : أي واذكر إذ ، وقيل : يحتمل أن يكون التقدير : وآتيناه الحكمة ، إذ قال ، واختصر لدلالة المتقدم عليه. وابنه بارّ ، أي : أو أنعم ، أو اشكر ، أو شاكر ، أقوال. (وَهُوَ يَعِظُهُ) : جملة حالية. قيل : كان ابنه وامرأته كافرين ، فما زال يعظهما حتى أسلما. والظاهر أن قوله : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) من كلام لقمان. وقيل : هو خبر من الله ، منقطع عن كلام لقمان ، متصل به في تأكيد المعنى ؛ وفي صحيح مسلم ما ظاهره أنه من كلام لقمان. وقرأ البزي : (يا بُنَيَ) ، بالسكون ، و (يا بُنَيَّ إِنَّها) : بكسر الياء ، و (يا بُنَيَّ أَقِمِ) : بفتحها. وقيل : بالسكون في الأولى والثانية ، والكسر في الوسطى ؛ وحفص والمفضل عن عاصم : بالفتح في الثلاثة على تقدير يا بنيا ، والاجتزاء بالفتحة عن الألف. وقرأ باقي السبعة : بالكسر في الثلاثة.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) : لما بين لقمان لابنه أن الشرك ظلم ونهاه عنه ، كان ذلك حثا على طاعة الله ، ثم بين أن الطاعة تكون للأبوين ، وبين السبب في ذلك ، فهو من كلام لقمان مما وصى به ابنه ، أخبر الله عنه بذلك. وقيل : هو من كلام الله ، قاله للقمان ، أي قلنا له اشكر. وقلنا له : (وَوَصَّيْنَا). وقيل : هذه الآية اعتراض بيّن أثناء وصيته للقمان ، وفيها تشديد وتوكيد لاتباع الولد والده ، وامتثال أمره في طاعة الله تعالى. وقال القرطبي : والصحيح أن هذه الآية وآية العنكبوت نزلتا في سعد بن أبي وقاص ، وعليه جماعة من المفسرين. ولما خص الأم بالمشقات من الحمل والنفاس والرضاع والتربية ، نبه على السبب الموجب للإيصاء ، ولذلك جاء في الحديث الأمر ببرّ الأم ثلاث مرات ، ثم ذكر الأب ، فجعل له مرة الربع من المبرة.
(وَهْناً عَلى وَهْنٍ) ، قال ابن عباس : شدة بعد شدة ، وخلقا بعد خلق. وقال الضحاك : ضعفا بعد ضعف. وقال قتادة : جهدا على جهد ، يعني : ضعف الحمل ، وضعف الطلق ، وضعف النفاس ، وانتصب على هذه الأقوال على الحال. وقيل : (وَهْناً