أكرمته أهانك ، وإن أحسنت إليه أساء إليك ، فلا يريد به مخاطبا بعينه ، وكأنك قلت : إن أكرم وإن أحسن إليه. انتهى. والتمني بلو في هذا الموضع بعيد ، وتسمية لو امتناعية ليس بجيد ، بل العبارة الصحيحة لو لما كان سيقع لوقوع غيره ، وهي عبارة سيبويه ، وقوله قد حذف جوابها وتقديره : وليتك ترى ما يدل على أنها كانت إذا للتمني لا جواب لها ، والصحيح أنها إذا أشربت معنى التمني ، يكون لها جواب كحالها إذا لم تشربه. قال الشاعر :
فلو نبش المقابر عن كليب |
|
فيخبر بالذنائب أي زير |
بيوم الشعشمين لقر عينا |
|
وكيف لقاء من تحت القبور |
وقال الزمخشري : وقد تجيء لو في معنى التمني ، كقولك : لو تأتيني فتحدثني ، كما تقول : ليتك تأتيني فتحدثني. فقال ابن مالك : إن أراد به الحذف ، أي وددت لو تأتيني فصحيح ، وإن أراد أنها موضوعة للتمني فغير صحيح ، لأنها لو كانت موضوعة له ، ما جاز أن يجمع بينها وبين فعل التمني. لا يقال : تمنيت ليتك تفعل ، ويجوز : تمنيت لو تقوم. وكذلك امتنع الجمع بين لعل والترجي ، وبين إلا واستثنى. انتهى. (ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) : مطرقوها ، من الذل والحزن والهم والغم والذم. وقرأ زيد بن علي : نكسوا رؤوسهم ، فعلا ماضيا ومفعولا ؛ والجمهور : اسم فاعل مضاف. (عِنْدَ رَبِّهِمْ) : أي عند مجازاته ، وهو مكان شدة الخجل ، لأن المربوب إذا أساء ووقف بين يدي ربه كان في غاية الخجل. (رَبَّنا) : على إضمار يقولون ، وقدره الزمخشري : يستغيثون بقولهم : (رَبَّنا أَبْصَرْنا) ما كنا نكذب ؛ (وَسَمِعْنا) : ما كنا ننكر ؛ وأبصرنا صدق وعدك ووعيدك ، وسمعنا تصديق رسلك ، وكنا عميا وصما فأبصرنا وسمعنا ، فارجعنا إلى الدنيا. (إِنَّا مُوقِنُونَ) : أي بالبعث ، قاله النقاش ؛ وقيل : مصدقون بالذي قال الرسول ، قاله يحيى بن سلام. وموقنون : مشعر بالالتباس في الحال ، أي حين أبصروا وسمعوا. وقيل : موقنون : زالت الآن عنا الشكوك ، ولم نكن في الدنيا نتدبر ، وكنا كمن لا يبصر ولا يسمع. وقيل : لك الحجة ، ربنا قد أبصرنا رسلك وعجائب في الدنيا ، وسمعنا كلامهم فلا حجة لنا ، وهذا اعتراف منهم.
(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ