الحسن : الفتنة ، الشرك ، والظاهر عود الضمير بها على الفتنة. وقيل : يعود على المدينة. و (عاهَدُوا) : أجرى مجرى اليمين ، ولذلك يتلقى بقوله : (لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ). وجواب هذا القسم جاء على الغيبة عنهم على المعنى : ولو جاء كما لفظوا به ، لكان التركيب : لا نولي الأدبار. والذين عاهدوا : بنو حارثة وبنو مسلمة ، وهما الطائفتان اللتان هما بالفشل في يوم أحد ، ثم تابوا وعاهدوا أن لا يفروا ، فوقع يوم الخندق من بني حارثة ذلك الاستئذان. قال ابن عباس : عاهدوا بمكة ليلة العقبة أن يمنعوه مما يمنعون منهم أنفسهم. وقيل : ناس غابوا عن وقعة بدر قالوا : لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن من قبل : أي من قبل هذه الغزوة ، غزوة الخندق. (لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) : كناية عن الفرار والانهزام ، سئلوا مطلوبا مقتضى حتى يوفى به ، وفي ذلك تهديد ووعيد.
(قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ) : خطاب توبيخ وإعلام أن الفرار لا ينجي من القدر ، وأنه تنقطع أعمارهم في يسير من المدة ، واليسير : مدة الآجال ، قال الربيع بن خيثم : وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه ، أي : (إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ) ، أو القتل ، لا ينفعكم الفرار ، لأن مجيء الأجل لا بد منه. وإذا هنا تقدّمها حرف عطف ، فلا يتحتم إعمالها ، بل يجوز ، ولذلك قرأ بعضهم : وإذا لا يلبثوا خلفك (١) في سورة الإسراء ، بحذف النون. ومعنى خلفك : أي بعد فراقهم إياك. و (قَلِيلاً) : نعت لمصدر محذوف ، أي تمتيعا قليلا ، أو لزمان محذوف ، أي زمانا قليلا. ومرّ بعض المروانية على حائط مائل فأسرع ، فتليت له هذه الآية ، فقال : ذلك القليل نطلب. وقرأ الجمهور : (لا تُمَتَّعُونَ) ، بتاء الخطاب ؛ وقرئ : بياء الغيبة. و (مَنْ ذَا) : استفهام ، ركبت ذا مع من وفيه معنى النفي ، أي لا أحد يعصمكم من الله. قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جعلت الرحمة قرينة السوء في العصمة ، ولا عصمة إلا من السوء؟ قلت : معناه أو يصيبكم بسوء إن أراد بكم رحمة ، فاختصر الكلام وأجرى مجرى قوله :
متقلدا سيفا ورمحا
أو حمل الثاني على الأول لما في العصمة من معنى المنع. انتهى.
أما الوجه الأول ففيه حذف جملة لا ضرورة تدعو إلى حذفها ، والثاني هو الوجه ، لا سيما إذا قدر مضاف محذوف ، أي يمنعكم من مراد الله. والقائلين لإخوانهم كانوا ، أي
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٧٦ : (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ) ... الآية.