المنافقون ، يثبطون إخوانهم من ساكني المدينة من أنصار رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يقولون : ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ، ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان ، فخلوهم. وقيل : هم اليهود ، كانوا يقولون لأهل المدينة : تعالوا إلينا وكونوا معنا. وقال ابن زيد : انصرف رجل من عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يوم الأحزاب ، فوجد شقيقه عنده سويق ونبيذ ، فقال : أنت هاهنا ورسول الله صلىاللهعليهوسلم بين الرماح والسيوف؟ فقال : هلم إليه ، فقد أحيط بك وبصاحبك. والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبدا ، فقال : كذبت والذي يحلف به ، ولأخبرنه بأمرك. فذهب ليخبره ، فوجد جبريل قد نزل بهذه الآية. وقال ابن السائب : هي في عبد الله بن أبيّ ، ومعتب بن قشير ، ومن رجع من المنافقين من الخندق إلى المدينة. فإذا جاءهم المنافق قالوا له : ويحك اجلس ولا تخرج ، ويكتبون إلى إخوانهم في العسكر أن ائتونا فإنا ننتظركم. وكانوا لا يأتون العسكر إلا أن يجدوا بدا من إتيانه ، فيأتون ليرى الناس وجوههم ، فإذا غفل عنهم عادوا إلى المدينة ، فنزلت. وتقدم الكلام في (هَلُمَّ) (١) في أواخر الأنعام. وقال الزمخشري : وهلموا إلينا ، أي قربوا أنفسكم إلينا ، قال : وهو صوت سمي به فعل متعد مثل : احضر واقرب. انتهى.
والذي عليه النحويون أن هلم ليس صوتا ، وإنما هو مركب مختلف في أصل تركيبه ؛ فقيل : هو مركب من ها التي للتنبيه ولم ، وهو مذهب البصريين. وقيل : من هل وأم ، والكلام على ترجيح المختار منهما مذكور في النحو. وأما قوله : سمي به فعل متعد ، ولذلك قدر (هَلُمَّ إِلَيْنا) : أي قربوا أنفسكم إلينا ؛ والنحويون : أنه متعد ولازم ؛ فالمتعدي كقوله : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) (٢) : أي احضروا شهداءكم ، واللازم كقوله : (هَلُمَّ إِلَيْنا) ، وأقبلوا إلينا. (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ) : أي القتال ، (إِلَّا قَلِيلاً). يخرجون مع المؤمنين ، يوهمونهم أنهم معهم ، ولا نراهم يقاتلون إلا شيئا قليلا إذا اضطروا إليه ، كقوله : (ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً). وقلته إما لقصر زمانه ، وإما لقلة عقابه ، وإنه رياء وتلميع لا تحقيق.
(أَشِحَّةً) : جمع شحيح ، وهو البخيل ، وهو جمع لا ينقاس ، وقياسه في الصفة المضعفة العين واللام فعلاء نحو : خليل وأخلاء ؛ فالقياس أشحاء ، وهو مسموع أيضا ، ومتعلق الشح بأنفسهم ، أو بأحوالهم ، أو بأموالهم في النفقات في سبيل الله ، أو بالغنيمة عند القسم ، أقوال. والصواب : أن يعم شحهم كل ما فيه منفعة للمؤمنين. وقال الزمخشري : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) في وقت الحرب ، أضناء بكم ، يترفرفون عليكم ، كما يفعل
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٥٠.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١٥٠.