إيمان ، وإن لم يواطئه القلب ؛ وأن ما يعمله المنافق من الأعمال يجزى عليه. فبين أن إيمانه ليس بإيمان ، وأن كل عمل يوجد منه باطل. انتهى ، وفي كلامه استعمال عسى صلة لمن ، وهو لا يجوز. وقال ابن زيد ، عن أبيه : نزلت في رجل بدري ، نافق بعد ذلك ووقع في هذه المعاني ، فأحبط الله عمله في بدر وغيرها. وكان ذلك ، أي الإحباط ، أو حالهم من شحهم ونظرهم ، يسيرا لا يبالى به ، ولا له أثر في دفع خير ، ولا عليه شر. وقال الزمخشري : (عَلَى اللهِ يَسِيراً) ، معناه : أن أعمالهم حقيقة بالإحباط ، تدعو إليه الدواعي ، ولا يصرف عنه صارف. انتهى. وهي ألفاظ المعتزلة.
(يَحْسَبُونَ) أنهم لم يرحلوا ، (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) كرة ثانية ، تمنوا لخوفهم بما منوا به عند الكرة أنهم مقيمون في البدو مع الأعراب ، وهم أهل العمود ، يرحلون من قطر إلى قطر ، يسألون من قدم من المدينة عما جرى عليكم من قتال الأحزاب ، يتعرفون أحوالكم بالاستخبار ، لا بالمشاهدة ، فرقا وجبنا ، وغرضهم من البداوة أن يكونوا سالمين من القتال ، ولو كانوا فيكم ولم يرجعوا إلى المدينة ، وكان قتال لم يقاتلوا إلا قليلا ، لعلة ورياء وسمعة. قال ابن السائب : رميا بالحجارة خاصة دون سائر أنواع القتال. وقرأ الجمهور : (بادُونَ) ، جمع سلامة لباد. وقرأ عبد الله ، وابن عباس ، وابن يعمر ، وطلحة : بدى على وزن فعل ، كفاز وغزى ، وليس بقياس في معتل اللام ، بل شبه بضارب ، وقياسه فعلة ، كقاض وقضاة. وعن ابن عباس : بدا فعلا ماضيا ؛ وفي رواية صاحب الإقليد : بدى بوزن عدى. وقرأ الجمهور : (يَسْئَلُونَ) ، مضارع سأل. وحكى ابن عطية أن أبا عمرو وعاصما والأعمش قرأوا : يسالون ، بغير همز ، نحو قوله : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) (١) ، ولا يعرف ذلك عن أبي عمرو وعاصم ، ولعل ذلك في شاذهما ؛ ونقلهما صاحب اللوامح عن الحسن والأعمش. وقرأ زيد بن علي ، وقتادة ، والجحدري ، والحسن ، ويعقوب بخلاف عنهما : يسأل بعضهم بعضا ، أي يقول بعضهم لبعض : ماذا سمعت وماذا بلغك؟ أو يتساءلون الأعراب ، كما تقول : تراءينا الهلال. ثم سلى الله نبيه عنهم وحقر شأنهم بأن أخبر أنهم لو حضروا ما أغنوا وما قاتلوا إلا قتالا قليلا. قال : هو قليل من حيث هو رياء ، ولو كان كثيرا.
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢١١.