فيهما. وقال الزمخشري : أعموا فلم ينظروا ، جعل بين الفاء والهمزة فعلا يصح العطف عليه ، وهو خلاف ما ذهب إليه النحويون من أنه لا محذوف بينهما ، وأن الفاء للعطف على ما قبل همزة الاستفهام ، وأن التقدير فالم ، لكن همزة الاستفهام لما كان لها الصدر قدمت ، وقد رجع الزمخشري إلى مذهب النحويين في ذلك ، وقد رددنا عليه هذا المذهب فيما كتبناه في (شرح التسهيل). وقفهم تعالى على قدرته الباهرة ، وحذرهم إحاطتها بهم على سبيل الإهلاك لهم ، وكان ثم حال محذوفة ، أي أفلا يرون إلى ما يحيط بهم من سماء وأرض مقهور تحت قدرتنا نتصرف فيه كما نريد؟
(إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) ، كما فعلنا بقارون ، (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) ، كما فعلنا بأصحاب الظلة ، أو (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) محيطا بهم ، وهم مقهورون تحت قدرتنا؟ (إِنَّ فِي ذلِكَ) النظر إلى السماء والأرض ، والفكر فيهما ، وما يدلان عليه من قدرة الله ، (لَآيَةً) : لعلامة ودلالة ، (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) : راجع إلى ربه ، مطيع له. قال مجاهد : مخبت. وقال الضحاك : مستقيم. وقال أبو روق : مخلص في التوحيد. وقال قتادة : مقبل إلى ربه بقلبه ، لأن المنيب لا يخلو من النظر في آيات الله على أنه قادر على كل شيء من البعث ومن عقابه من يكفر به. وقرأ الجمهور : إن نشأ نخسف ونسقط بالنون في الثلاثة ؛ وحمزة والكسائي ، وابن وثاب ، وعيسى ، والأعمش ، وابن مطرف : بالياء فيهن ؛ وأدغم الكسائي الفاء في الباء في نخسف بهم. قال أبو علي : وذلك لا يجوز ، لأن الباء أضعف في الصوت من الفاء ، فلا تدغم فيها ، وإن كانت الباء تدغم في الفاء ، نحو : اضرب فلانا ، وهذا ما تدغم الباء في الميم ، كقولك : اضرب مالكا ، ولا تدغم الميم في الباء ، كقولك : اصمم بك ، لأن الباء انحطت عن الميم بفقد الغنة التي في الميم. وقال الزمخشري : وقرأ الكسائي نخسف بهم ، بالإدغام ، وليست بقوية. انتهى. والقراءة سنة متبعة ، ويوجد فيها الفصيح والأفصح ، وكل ذلك من تيسيره تعالى القرآن للذكر ، فلا التفات لقول أبي علي ولا الزمخشري.
(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ، أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ، وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ ، يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ، فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ