فالضمير في (دَلَّهُمْ) عائد على الجن الذين كانوا يعملون له ، وكان سليمان قد أمر الجن ببناء صرح له ، فبنوه له. ودخله مختليا ليصفو له يوم من الدهر من الكدر ، فدخل عليه شاب فقال له : كيف دخلت عليّ بغير إذن؟ فقال : إنما دخلت بإذن ، قال : ومن أذن لك؟
قال : رب هذا الصرح. فعلم أنه ملك الموت أتى بقبض روحه ، فقال : سبحان الله ، هذا اليوم الذي طلبت فيه الصفا ، فقال له : طلبت ما لم يخلق ، فاستوثق من الاتكاء على العصا ، فقبض روحه ، وبقيت الجن تعمل على عادتها. وكان سليمان قصد تعمية موته ، لأنه كان بقي من تمام بناء المسجد عمل سنة ، فسأل الله تمامها على يد الإنس والجن ، وكان يخلو بنفسه الشهرين والثلاثة ، فكانوا يقولون : إنه يتحنث. وقيل : إن ملك الموت أعلمه أنه بقي من حياته ساعة ، فدعا الشياطين فبنوا له الصرح ، وقام يصلي متكئا على عصاه ، فقبض روحه وهو متكئ عليها. وكانت الشياطين تجتمع حول محرابه ، فلا ينظر أحد منهم إليه في صلاته إلا احترق ، فمر واحد منهم فلم يسمع صوته ، ثم رجع فلم يسمع ، فنظر فإذا هو قد خر ميتا ، وكان عمره ثلاثا وخمسين سنة. ملك بعد موت أبيه وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وكان أبوه قد أسس بنيان المسجد موضع بساط موسى ، فمات قبل أن يتمه ، ووصى به ابنه ، فأمر الشياطين بإتمامه ، ومات قبل تمامه.
و (دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ) : هي سوسة الخشب ، وهي الأرضة. وقيل : ليست سوسة الخشب ، لأن السوسة ليست من دواب الأرض ، بل هذه حيوان من الأرض شأنه أن يأكل الخشب ، وذلك موجود. وقالت فرقة ، منها أبو حاتم : الأرض هنا مصدر أرضت الأبواب ، والخشب أكلتها الأرضة فكأنه قال : دابة الأكل الذي هو بتلك الصورة. وإذا كان الأرض مصدرا ، كان فعله أرضت الدابة الخشب تأرضه أرضا فأرض بكسر الراء نحو : جدعت أنفه فجدع. ويقال : إنه مصدر لفعل مفتوح العين ، قراءة ابن عباس. والعباس بن الفضل : الأرض بفتح الراء ، لأن مصدر فعل المطاوع لفعل يكون على فعل نحو : جدع أنفه جدعا وأكلت الأسنان أكلا ، مطاوع أكلت. وقيل : الأرض بفتح الراء جمع أرضه ، وهو من إضافة العام إلى الخاص ، لأن الدابة أعم من الأرض. وقراءة الجمهور : بسكون الراء ، فالمتبادر أنها الأرض المعروفة ، وتقدم أنها مصدر لأرضت الدابة الخشب. وتأكل : حال ، أي أكلت منسأته ، وهي حال مصاحبة. وتقدم أن المنسأة هي العصا ، وكانت فيما روي من خرنوب ، وذلك أنه كان يتعبد في بيت المقدس ، فتنبت له في محرابه كل سنة شجرة تخبره بمنافعها فيأمر فتقلع ، ويتصرف في منافعها ، وتغرس لتتناسل. فلما قرب موته ، نبتت شجرة وسألها