فقالت : أنا الخرنوب ، خرجت لخراب ملكك ، فعرف أنه حضر أجله ، فاستعد واتخذ منها عصا واستدعى بزاد سنة ، والجن تتوهم أنه يتغذى بالليل. وروي أن سليمان كان في قبة ، وأوصى بعض أهله بكتمان موته عن الإنس والجن سنة ليتم البناء الذي بدىء في زمن داود ، فلما مضى لموته سنة ، خر عن العصا ونظر إلى مقدار ما تأكله الأرضة يوما وقيس عليه ، فعلم أنها أكلت العصا منه سنة. وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وجماعة : منساته بألف ، وأصله منسأته ، أبدلت الهمزة ألفا بدلا غير قياسي. وقال أبو عمرو : أنا لا أهمزها لأني لا أعرف لها اشتقاقا ، فإن كانت مما لا تهمز ، فقد احتطت ، وإن كانت تهمز ، فقد يجوز لي ترك الهمزة فيما يهمز. وقرأ ابن ذكوان وجماعة ، منهم بكار والوليدان بن عتبة وابن مسلم : منسأته ، بهمزة ساكنة ، وهو من تسكين التحريك تخفيفا ، وليس بقياس. وضعف النحاة هذه القراءة ، لأنه يلزم فيها أن يكون ما قبل التأنيث ساكنا غير الفاء. وقيل : قياسها التخفيف بين بين ، والراوي لم يضبط ، وأنشد هارون بن موسى الأخفش الدمشقي شاهدا على سكون هذه القراءة قول الراجز :
صريع خمر قام من وكأته |
|
كقومة الشيخ إلى منسأته |
وقرأ باقي السبعة بالهمز مفتوحة ، وقرىء بفتح الميم وتخفيف الهمزة قلبا وحذفا ، وعلى وزن مفعالة : منساءة. وقرأت فرقة ، منهم عمر بن ثابت ، عن ابن جبير : مفصولة حرف جر وسأته بجر التاء ، قيل : ومعناه من عصاه ، يقال لها : ساة القوس وسيتها معا ، وهي يدها العليا والسفلى ، سميت العصا ساة القوس على الاستعارة ، ولا سيما إن صح النقل أنه اتخذها من شجر الخروب قبل موته ، فيكون حين اتكأ عليها ، وهي كما قطعت من شجرة خضراء ، قد اعوجت حتى صارت كالقوس. ألا ترى أنك إذا اتكأت على غصن أخضر كيف يعوج حتى يكاد يلتقي طرفاه؟ فيها لغتان : ساة وسية ، كما يقال : قحة وقحاة ، والمحذوف من ساة وسية.
(فَلَمَّا خَرَّ) : أي سقط عن العصا ميتا ، والظاهر أن الضمير في خر عائد على سليمان. وقيل : إنه لم يمت إلى أن وجد في سفر مضطجعا ، ولكنه كان في بيت مبني عليه ، وأكلت الأرضة عتبة الباب حتى خر الباب ، فعلم موته. وقال ابن عباس : مات في متعبده على فراشه ، وقد أغلق الباب على نفسه فأكلت الأرضة المنسأة ، أي عتبة الباب ، فلما خر ، أي الباب. انتهى ، وهذا فيه ضعف ، لأنه لو كانت المنسأة هي العتبة ، وعاد الضمير عليها ، لكان التركيب : فلما خرت ، بتاء التأنيث ، ولا يجيء حذف مثل هذه التاء