إلا في ضرورة الشعر ، ولا يكون من ذكر المعنى على معنى العود لأنه قليل. وقرأ الجمهور : تبينت ، مبنيا للفاعل ، فاحتمل أن يكون من تبين بمعنى بان ، أي ظهرت الجن ، والجن فاعل ، وإن وما بعدها بدل من الجن. كما تقول : تبيّن زيد جهله ، أي ظهر جهل زيد ، فالمعنى : ظهر للناس جهل الجن علم الغيب ، وأن ما ادعوه من ذلك ليس بصحيح. واحتمل أن يكون من تبين بمعنى علم وأدرك ، والجن هنا خدم الجن ، وضعفتهم (أَنْ لَوْ كانُوا) : أي لو كان رؤساؤهم وكبراؤهم يعلمون الغيب ، قاله قتادة. وقال الزمخشري : أو علم المدعون علم الغيب منهم عجزهم ، وأنهم لا يعلمون الغيب ، وإن كانوا عالمين قبل ذلك بحالهم ، وإنما أريد بهم التهكم كما يتهكم بمدعي الباطل إذا دحضت حجته وظهر إبطاله ، كقولك : هل تبينت أنك مبطل وأنت لا تعلم أنه لم يزل لذلك متبينا؟ انتهى.
ويجىء تبين بمعنى بان وظهر لازما ، وبمعنى علم متعديا موجود في كلام العرب. قال الشاعر :
تبين لي أن القماءة ذلة |
|
وأن أعزاء الرجال طيالها |
وقال آخر :
أفاطم إني ميت فتبيني |
|
ولا تجزعي على الأنام بموت |
أي : فتبيني ذلك ، أي اعلميه. وقال ابن عطية : ذهب سيبويه إلى أن أن لا موضع لها من الإعراب ، إنما هي موزونة ، نحو : إن ما ينزل منزلة القسم من الفعل الذي معناه التحقيق واليقين ، لأن هذه الأفعال التي هي تحققت وتيقنت وعلمت ونحوها تحل محل القسم. فما لبثوا : جواب القسم ، لا جواب لو. وعلى الأقوال ، الأول جواب لو. وفي كتاب النحاس إشارة إلى أنه يقرأ : (تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) ، بنصب الجن ، أي تبينت الإنس الجن ، والمعنى : أن الجن لو كانت تعلم الغيب ما خفى عليها موته ، أي موت سليمان. وقد ظهر أنه خفي عليها بدوامها في الخدمة والضعة وهو ميت. وقرأ ابن عباس ، فيما ذكر ابن خالويه ويعقوب بخلاف عنه : تبينت مبنيا للمفعول ؛ وعن ابن عباس ، وابن مسعود ، وأبيّ ، وعلي بن الحسن ، والضحاك قراءة في هذا الموضع مخالفة لسواد المصحف ولما روي عنهم ، ذكرها المفسرون ، أضرب عن ذكرها صفحا على عادتنا في ترك نقل الشاذ الذي يخالف للسواد مخالفة كثيرة.
(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ