سحابة. (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) أي بين أجزائه لأنه سحابة تتصل بسحابة فجعل ذلك ملتئما بتأليف بعض إلى بعض. وقرأ ورش يولف بالواو ، وباقي السبعة بالهمز وهو الأصل. فيجعله (رُكاماً) أي متكاثفا يجعل بعضه إلى بعض ، وانعصاره بذلك (مِنْ خِلالِهِ) أي فتوقه ومخارجه التي حدثت بالتراكم والانعصار. والخلال : قيل مفرد. وقيل : جمع خلل كجبال وجبل. وقرأ ابن مسعود وابن عباس والضحاك ومعاذ العنبري عن أبي عمرو والزعفراني من خلله بالإفراد ، والظاهر أن في السماء جبالا من برد قاله مجاهد والكلبي وأكثر المفسرين : خلقها الله كما خلق في الأرض جبالا من حجر. وقيل : جبال مجاز عن الكثرة لا أن في السماء جبالا كما تقول : فلان يملك جبالا من ذهب ، وعنده جبال من العلم يريد الكثرة. قيل : أو هو على حذف حرف التشبيه.
و (السَّماءِ) السحاب أي (مِنَ السَّماءِ) التي هي جبال أي كجبال كقوله (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) (١) أي كنار قاله الزجاج ، فجعل السماء هو السحاب المرتفع سمي بذلك لسموه وارتفاعه. وعلى القول الأول المراد بالسماء الجسم الأزرق المخصوص وهو المتبادر للذهن ، ومن استعماله الجبال في الكثرة مجازا قول ابن مقبل :
إذا مت عن ذكر القوافي فلن |
|
ترى لها شاعرا مني أطلب وأشعرا |
وأكثر بيتا شاعرا ضربت له |
|
بطون جبال الشعر حتى تيسرا |
واتفقوا على أن (مِنْ) الأولى لابتداء الغاية. وأما (مِنْ جِبالٍ). فقال الحوفي : هي بدل من (السَّماءِ) ثم قال : وهي للتبعيض ، وهذا خطأ لأن الأولى لابتداء الغاية في ما دخلت عليه ، وإذا كانت الثانية بدلا لزم أن يكون مثلها لابتداء الغاية ، لو قلت : خرجت من بغداد من الكرخ لزم أن يكونا معا لابتداء الغاية. وقال الزمخشري وابن عطية : هي للتبعيض فيكون على قولهما في موضع المفعول لينزل. قال الحوفي والزمخشري : والثانية للبيان انتهى. فيكون التقدير وينزل من السماء بعض جبال فيها التي هي البرد فالمنزل برد لأن بعض البرد برد فمفعول (يُنَزِّلُ مِنْ جِبالٍ).
قال الزمخشري : أو الأولان للابتداء والأخيرة للتبعيض ، ومعناه أنه ينزل البرد من السماء من جبال فيها انتهى. فيكون (مِنْ جِبالٍ) بدلا (مِنَ السَّماءِ).
وقيل : (مِنْ) الثانية والثالثة زائدتان وقاله الأخفش ، وهما في موضع نصب عنده
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٩٦.