عادة البداوة ، أمروا بتوقير رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأحسن ما يدعى به نحو : يا رسول الله ، يا نبي الله ، ألا ترى إلى بعض جفاة من أسلم كان يقول : يا محمد وفي قوله (كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) إشارة إلى جواز ذلك مع بعضهم لبعض إذ لم يؤمر بالتوقير والتعظيم في دعائه عليهالسلام إلّا من دعاه لا من دعا غيره. وكانوا يقولون : يا أبا القاسم يا محمد فنهوا عن ذلك. وقيل : نهاهم عن الإبطاء والتأخر إذا دعاهم ، واختارهم المبرد والقفال ويدل عليه (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) وهذا القول موافق لمساق الآية ونظمها.
وقال الزمخشري : إذا احتاج إلى اجتماعكم عنده لأمر فدعاكم فلا تتفرّقوا عنه إلّا بإذنه ، ولا تقيسوا دعاءه على دعاء بعضكم بعضا ورجوعكم عن المجمع بغير إذن الداعي انتهى. وهو قريب مما قبله. وقال أيضا : ويحتمل (لا تَجْعَلُوا) دعاء الرسول ربه مثل ما يدعو صغيركم كبيركم وفقيركم غنيكم ، يسأله حاجة فربما أجابه وربما رده ، وإن دعوات رسول الله صلىاللهعليهوسلم مسموعة مستجابة انتهى. وقال ابن عباس : إنما هو لا تحسبوا دعاء الرسول عليكم كدعاء بعضكم على بعض أي دعاؤه عليكم مجاب فاحذروه. قال ابن عطية : ولفظ الآية يدفع هذا المعنى انتهى.
وقرأ الحسن ويعقوب في رواية نبيكم بنون مفتوحة وباء مكسورة وياء مشددة بدل قوله (بَيْنَكُمْ) ظرفا قراءة الجمهور. قال صاحب اللوامح : وهو النبيّ عليهالسلام على البدل من (الرَّسُولِ) فإنما صار بدلا لاختلاف تعريفهما باللام مع الإضافة ، يعني أن الرسول معرفة باللام ونبيكم معرفة بالإضافة إلى الضمير فهو في رتبة العلم ، فهو أكثر تعريفا من ذي اللام فلا يصح النعت به على المذهب المشهور ، لأن النعت يكون دون المنعوت أو مساويا له في التعريف. ثم قال صاحب اللوامح : ويجوز أن يكون نعتا لكونهما معرفتين انتهى. وكأنه مناقض لما قرر من اختياره البدل وينبغي أن يجوز النعت لأن الرسول قد صار علما بالغلبة كالبيت للكعبة إذ ما جاء في القرآن والسنة من لفظ الرسول إنما يفهم منه أنه محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإذا كان كذلك فقد تساويا في التعريف. ومعنى (يَتَسَلَّلُونَ) ينصرفون قليلا قليلا عن الجماعة في خفية ، ولواذ بعضهم ببعض أي هذا يلوذ بهذا وهذا بذاك بحيث يدور معه حيث دار استتارا من الرسول.
وقال الحسن (لِواذاً) فرارا من الجهاد. وقيل : في حفر الخندق ينصرف المنافقون بغير إذن ويستأذن المؤمنون إذا عرضت لهم حاجة. وقال مجاهد لوذا خلافا. وقال أيضا (يَتَسَلَّلُونَ) من الصف في القتال وقيل : (يَتَسَلَّلُونَ) على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلى كتابه