للكافرين. والظلم هنا الشرك قاله ابن عباس والحسن وابن جريج ، ويحتمل دخول المعاصي غير الشرك في الظلم. وقال الزمخشري : العذاب الكبير لاحق لكل من ظلم والكافر ظالم لقوله (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١) والفاسق ظالم لقوله (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢) انتهى وفيه دسيسة الاعتزال. وقرئ : يذقه بياء الغيبة أي الله وهو الظاهر. وقيل : هو أي الظلم وهو المصدر المفهوم من قوله (يَظْلِمْ) أي يذقه الظلم.
ولما تقدم الطعن على الرسول بأكل الطعام والمشي في الأسواق أخبر تعالى أنها عادة مستمرة في كل رسالة ومفعول (أَرْسَلْنا) عند الزجاج والزمخشري ومن تبعهما محذوف تقديره أحدا. وقدره ابن عطية رجالا أو رسلا. وعاد الضمير في (إِنَّهُمْ) على ذلك المحذوف كقوله (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ) (٣) أي وما منا أحد والجملة عند هؤلاء صفة أعني قوله (إِلَّا إِنَّهُمْ) كأنه قال إلّا آكلين وماشين. وعند الفراء المفعول محذوف وهو موصول مقدر بعد إلّا أي إلّا من. (إِنَّهُمْ) والضمير عائد على (مِنَ) على معناها فيكون استثناء مفرغا وقيل : إنهم قبله قول محذوف أي (إِلَّا) قيل (إِنَّهُمْ) وهذان القولان مرجوحان في العربية. وقال ابن الأنباري : التقدير إلّا وإنهم يعنى أن الجملة حالية وهذا هو المختار. قد ردّ على من قال إن ما بعد إلّا قد يجيء صفة وإما حذف الموصول فضعيف وقد ذهب إلى حكاية الحال أيضا أبو البقاء قال : وقيل لو لم تكن اللام لكسرت لأن الجملة حالية إذ المعنى إلّا وهم يأكلون. وقرئ أنهم بالفتح على زيادة اللام وإن مصدرية التقدير إلّا أنهم يأكلون أي ما جعلناهم رسلا إلى الناس إلّا لكونهم مثلهم. وقرأ الجمهور : (وَيَمْشُونَ) مضارع مشى خفيفا. وقرأ عليّ وابن مسعود وعبد الرحمن بن عبد الله (يَمْشُونَ) مشددا مبنيا للمفعول ، أي يمشيهم حوائجهم والناس. قال الزمخشري : ولو قرئ (يَمْشُونَ) لكان أوجه لو لا الرواية انتهى. وقد قرأ كذلك أبو عبد الرحمن السلمي مشدد مبنيا للفاعل ، وهي بمعنى (يَمْشُونَ) قراءة الجمهور. قال الشاعر :
ومشى بأعطان المباءة وابتغى |
|
قلائص منها صعبة وركوب |
(وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ). قال ابن عطية : هو عام للمؤمن والكافر ، فالصحيح فتنة للمريض ، والغني فتنة للفقير ، والفقير الشاكر فتنة للغني ، والرسول المخصوص بكرامة النبوّة فتنة لأشراف الناس الكفار في عصره ، وكذلك العلماء وحكام العدل. وقد تلا ابن القاسم هذه
__________________
(١) سورة لقمان : ٣١ / ١٣.
(٢) سورة الحجرات : ٤٩ / ١١.
(٣) سورة الصافات : ٣٧ / ١٦٤.