هذا بعض ما يتعلق باللفظ لغة . . .
وقد اختلف المعنيون بالمراد من التحقيق :
فمنهم من اقتصر على أنه ضبط النص فحسب .
ومنهم من زاد عليه توضيح الغوامض ، وتخريج النصوص من مصادرها ، وصنع الفهارس . . . ومتابعة الكتاب تصحيحاً وتنقيحاً حتى يخرج من المطبعة ويصل الى يد القارىء .
ومنهم من زاد ـ على هذا كله ـ متابعة المحقق لكتابه بعد الطبعة الاولى صقلاً وتجميلاً وتهذيباً . . .
والجميع مصيبون ، وكل منهم عبّر عن رؤية خاصة .
والحق أن للتحقيق درجات : أولها ضبط النص . . . ثم يرتقي المحقق صعداً في سلم هذا الفن .
أما التخريج ، وتوضيح الغوامض ، وصنع الفهارس ، ومتابعة الكتاب . . . فهي من لوازم التحقيق ومكملاته .
ولا يظن القارىء العزيز أن ضبط النص أمر هين ، فهو من أعضل المعضلات ، ودون الوصول إليه خرط القتاد . . . فهو يتطلب من المحقق موسوعية تراثية ، وسليقة لغوية ، ودقة ملاحظة ، وفضل ذكاء ، وحافظة سليمة ، وذوقاً جميلاً . . . وصبراً وجَلَداً . . .
وقديماً قيل : تأليف كتاب أهون من إصلاحه .
وبكلمة مختصرة : التحقيق هو فن إحياء الكتاب المخطوط .
والحياة ـ كما هو معلوم ـ درجات بعضها أعلىٰ من بعض ، فحياة مريضة عاجزة ، وحياة سليمة تتمتع بالصحة والعافية ، وحياة فيها ـ مع هذا ـ رواء وجمال .
قدم هذا الفن عندنا :
الاُمة المسلمة هي الاُمة الوسط ، وهي اُمة الخير وخير الاُمم . . . ذلك من فضل الله علينا . . . وبفضل الهداة المعصومين ، محمد وآله الميامين ، صلوات الله عليهم أجمعين .
فالاُمة العربية اُمة اُمّيّة ، تعتمد الرواية والحافظة في نقل علومها من جيل الى جيل . . . وجاءت الرحمة المهداة للعالمين متمثلة في الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله فأخرج هذه الاُمة من الظلمات الى النور ، من ظلمات الجهل الى نور العلم .
ولا يزال التاريخ يذكر حادثة أسرى بدر ، وأن الأسير كان يحصل حريته بتعليمه عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة .