عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها.
وفي حديث آخر قال صلىاللهعليهوآله : يا عليّ، أنا مدينة العلم وأنت الباب، كذب من زعم أنّه يدخلها من غير بابها.
ولا يخفى على أهل الأدب والمعرفة ما في هذه الأحاديث النبويّة من بديع التعبير وغزارة المعنى وجمال اللفظ، فالنّبيّ صلىاللهعليهوآله يصوّر ويشبّه علمه الواسع بالمدينة الواسعة الكبيرة الّتي تضمّ الملايين، ثمّ يحصر طريق الوصول إلى هذه المدينة العلميّة ببابٍ واحد، هو خليفته عليّ بن أبي طالب عليهالسلام، وفضّل الله تعالى عليّ بن أبي طالب عليهالسلام بالعلم والحكمة ففاق بهما جميع الأمّة، ولذلك وصفه الرسول صلىاللهعليهوآله بهما حيث قال : يا عليّ، مُلئتَ علماً وحكمة.
وعن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله كان ذات ليلة في بيت أمّ سلمة، فبَكَرت إليه بالغداة فإذا عبد الله بن عبّاس بالباب، فخرج النّبيّ صلىاللهعليهوآله إلى المسجد، وعليّ عن يمينه وابن عبّاس عن يساره، فقال النّبيّ صلىاللهعليهوآله: يا عليّ ما أوّل نِعَم الله عليك؟ قال : أن خلقني فأحسَن خَلقي. قال : ثمّ ماذا؟ قال : أن عَرَّفني نفسَه. قال : ثمّ ماذا؟ قال : قلت : (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)٢. قال : فضرب النّبيّ صلىاللهعليهوآله يده على كتفي وقال : يا عليّ، مُلئتَ علماً وحكمة. ولذلك قال النّبيّ صلىاللهعليهوآله : أنا مدينة العلم وعليّ بابها.٣
_______________________
١ ـ المناقب للخوارزميّ ٤٠؛ العسل المصفّى ٢ / ٣٧١؛ سنن الترمذيّ ٢ / ٢٥٠؛ كفاية الطالب ٢٢٠.
٢ ـ اقتباس من الآية ٣٤ من سورة إبراهيم ١٤؛ والآية ١٨ من سورة النحل ١٦.
٣ ـ تاريخ البغداد ٢ / ٣٣٧. وهذا الحديث تواتر نقله عن الصحابة والتابعين وأئمّة الحديث بصور مختلفة، وأصبح من الأحاديث الثابتة لدى الفريقين حتّى أفرد بعضهم تآليف خاصّة حوله، كما نجد فصلاً مشبعاً حوله في الغدير ٦ / ٥٤ ـ ٨١.