التي لم يجرؤ أحد من المسافرين على القيام بها ، إلا رجل واحد يدعى لاسكاريس ، ولكنه مات وضاعت معه المعلومات التي جمعها عن أهل البادية خلال عشر سنوات.
ثم تحدث لا مرتين عن لاسكاريس ، وكيف التقى بالجنرال بونابارت في جزيرة مالطة ، عند حملته على مصر سنة ١٧٩٨ ، وكيف تبعه إلى القاهرة إلى أن عاد إلى فرنسا مع بقايا الجيش الفرنسي. وبعد أن خرقت انجلترا معاهدة أميان ، سنة ١٨٠٣ ، رأي نابوليون أنه لا يستطيع أن يضرب عدوه في قعر جزيرته ، بسبب تفوق الأسطول البريطاني ، فحاول أن يقضي على اقتصادياته ، واعتقد أنه يصيبه في الصميم إذا تمكن من أن يقطع عليه طريق الهند ، كما بيّناه مفصلا في المقدمة الفرنسية (١). ولأجل الوصول إلى هذا الهدف ، لا بدّ له أوّلا من توطيد العلاقات مع أمراء البادية ومشايخها ، فأرسل لاسكاريس لهذه المهمة. ونجحت مساعي جاسوس نابوليون ، ولكن حين أراد العودة إلى فرنسا ، علم بسقوط الامبراطور الفرنسي ، فذهب إلى القاهرة مغموما يائسا ، حيث وافاه أجله. فوضع القنصل البريطاني يده على مخلفاته ، وخاصة على مذكراته وأوراقه ، ولا يعلم أحد ما كان مصيرها. وختم لا مرتين حديثه معربا عن أسفه على ضياع هذه الوثائق الهامة. فقال له دليله : لعلها لم تفقد تماما ، لأنه على معرفة جيدة بالشاب الذي كان يرافق لاسكاريس ، ولطالما سمعه يتحدث عن هذه الرحلة إلى البادية ، وعن اليوميات التي كان يكتبها ، بناء على طلب معلمه. وهكذا مكّنت الظروف لا مرتين من شراء مذكرات الصايغ ، وتمت ترجمتها إلى الفرنسية على يده أيضا.
ولم ينل كتاب لا مرتين «رحلة إلى الشرق» نجاحا كبيرا لضعف مادته ، فسرعان ما نسيه الناس ، ودخلت معه مذكرات الصايغ في خبايا الزوايا.
وكان من المنتظر أن يقبل المستشرقون على رحلة الصايغ ، لما فيها من أخبار طريفة عن أحوال البادية وقبائلها ، ووصف لبعض القرى والبلدان السورية. إلا أن رئيس الجمعية الأسيوية شك في صحتها ، فسكتت عنها مجلة هذه
__________________
(١) (مكرر) قام المحقق بترجمة هذه الرحلة إلى الفرنسية مع مقدمة إضافية ، وقد تولت نشرها دار غاليمار الباريسية تحت عنوان : Le desert et la gloire.