بعض الشخصيات السياسية الفرنسية طلبت من لاسكاريس أن يقوم بالتمهيدات الأولية لكسب صداقة أمراء البادية ، إذ بقي في مصر عدد من الفرنسيين بعد اخفاق الحملة ، اعتنقوا الإسلام وخدموا أصحاب البلاد ، منهم الكولونيل ساف المشهور بسليمان باشا ، وهو الذي أعاد تنظيم جيش محمد علي (١). والحقيقة أن قصة لاسكاريس من الألغاز التاريخية التي لم تجد حلا إلى يومنا هذا. وتفيدنا رسالة وجهها قنصل فرنسا بالاسكندرية إلى وزارة الخارجية بباريس ، بتاريخ ٢٣ نيسان ١٨١٧ ، أن السائح بوركهارت ، الذي اكتشف خرائب بترا ، كتب ترجمة لاسكاريس بعد وفاته بالقاهرة (٢). ومن المؤسف أني لم أجد أثرا لها ، ولعلها لم تطبع ، إلا أنها تدل على أن الرحالة السويسري البريطاني كان على اتصال بجاسوس نابوليون وينظر إليه نظرة الند للند. ونعلم من مذكرات الصايغ أن لاسكاريس التقى فعلا بالشيخ إبراهيم صاحب «الرحلة إلى الجزيرة العربية».
ومتى سلمنا بهذه الأمور الأساسية وهي أن قصة لاسكاريس ليست وليدة الخيال وأنه رحل فعلا مع ترجمانه فتح الله الصايغ إلى البادية واتصلا بعدد من شيوخ القبائل ، اتسع علينا مجال النقد لنتبين الصحيح من الخطأ في المذكرات التي نقوم اليوم بنشرها ، لأن صاحب الرحلة شوّه الحقيقة أحيانا ، وتحدث بأمور هي من نسج خياله ، إلا أنه صدق أيضا في أمور كثيرة ، فأفاد إفادة جمة.
وأول ما يجب الإشارة إليه هي الأخطاء التاريخية العديدة في هذه المذكرات. فالصايغ يقول أنه بعد رحلته الأولى إلى تدمر وبر الشام ذهب إلى دمشق ، وكان ذلك بتاريخ ٢٣ كانون الأول سنة ١٨١٠. ثم اتصل بالدريعي بن شعلان ، وتمكن من احضار معلمه الشيخ إبراهيم إلى مخيم الدريعي في صيف أو خريف سنة ١٨١١. وأثناء ذلك قامت بعض القوات الوهابية بغزوة على عرب الشام ، فتبعها الدريعي وربح المعركة ضد القائد الوهابي الشهير بأبي نقطة. إلا أن أبا نقطة ، حاكم عسير تهامة ، توفي قبل هذا الغزو بسنتين ، قتله الشريف علي حمود ،
__________________
(١) فيليب حتّى ، ادوار جرجي ، جبرائيل جبّور ، تاريخ العرب (مطول) ج ٢ ، ص ٨٥٢. دار الكشاف ، بيروت ، ١٩٦١.
(٢) المخابرات القنصلية رقم ١٩ ، سنة ١٨١٧ ، ورقة ٢٠٠ ، باريس ، وزارة الخارجية (بالفرنسية).