عليه لا مرتين شراءها قام عندئذ بتحريرها باللهجة الحلبية وأسبغ عليها طابع المغامرات ، متتبعا سير الحوادث. والدليل على ذلك أنه كثيرا ما يضع علامة على بعض صفحات المخطوطة تشير إلى أن الحادث الذي ذكره يجب أن يقدم أو يؤخر. ولا عجب إذا أخطأ بالتواريخ لأنه أراد بادئ بدء سرد قصة أبيه الروحي لاسكاريس ، فكتب ما علق بذاكرته ، دون اهتمام كبير بالأمانة التاريخية ، لا سيما وأنه وضع كتابه بعد مضي نحو خمس عشرة سنة على رحلته ، فذكر القائد أبا نقطة لأن حاكم عسير تهامة كان مشهورا بقوته وجسارته ، وأخطأ بأسماء الأعلام والأنساب ، بل أنه سرد حوادث من الصعب تصديقها لو لا ورودها أيضا في مصادر موثوق بها.
وهناك نقطتان أساسيتان أثارتا بنوع خاص شكوك المؤرخين ، فلا بدّ لنا من الكلام عنهما : الأولى معركة حماة ، والثانية زيارة الدرعية.
وصف الصايغ معركة حماة وصفا رائعا ، وذكر عدد المقاتلين ، فزعم أن الجيش الوهابي كان يضم نحو مئة وخمسين ألف مقاتل ، أما عرب الشام ، فإن جميع القبائل التي أنجدت الدريعي لا تزيد على ثمانين ألف محارب ، يضاف إليها جنود الجيش العثماني الذي تصدى أيضا للغزو الوهابي.
ولكن هل وقعت هذه المعركة حقا؟ يعتقد الدكتور منير العجلاني أن الإمام سعود قام فعلا بغارة على أطراف الشام سنة ١٢٢٥ ه / ١٨١٠ م (١). إلا أنه يظن «أن أعداد المقاتلين أعداد مبالغ فيها كثيرا ، وأما المعركة ، فيترجح [عنده] ، بغلبة الظن ، أنها وقعت. يقول ابن بشر في أخبار سنة ١٢٢٥ أن الإمام سعود سار في شهر ربيع الثاني إلى الشام» (٢). أن هذه الغارة التي تحدث عنها ابن بشر قام بها الإمام الوهابي نفسه سنة ١٨١٠ ، أما معركة حماة فلم تكن
__________________
(١) منير العجلاني ، تاريخ بلاد العربية السعودية ، ج ٣ ، ص ٦٥ ، دار الكاتب العربي ، بغداد (دون تاريخ).
(٢) منير العجلاني ، المصدر نفسه ، ص ٢٣ ؛ فيلبي ، تاريخ نجد ، ص ١٢٧. وأخطأ ميخائيل مشاقه في تاريخ هذه الغارة ، فزعم أنها كانت سنة ١٨١٧ ، وأن الجند الحجازي الذي أمّ الشام أرسله محمد بن عبد الوهاب ، (انظر : بلاد الشام في القرن التاسع عشر ، دراسة وتحقيق سهيل زكار ، ص ١٠٠ ، دار حسان ، دمشق ١٤٠٢ / ١٩٨٢).