وكانوا نحو ألف خيال وطلبوا العدو ، وكان الوقت قريبا من العصر ، وهكذا كان تدبير العربان يجعلوا غاراتهم قرب المساء ، حتى إذا طلبهم العدو يدخل الليل ويرجع الطالب عنهم ، وهم يعودون سالمين بالكسب ، وما رجع عرب الحسنة إلا بعد يومين وأخبرونا أنهم ظلوا يركضون وراءهم وهم أمامهم إلى أن أتى الصباح ، ثم التقى الطرفان ووقع الحرب والقتال بينهما نحو أربع ساعات ، فقتل من الضفير ستة أنفار ومن الحسنة عشرة واسترجعوا من الكسب نحو النصف أي خمس مئة حيوان والنصف الثاني راح مع الضفير. فحزنت العربان على الذين قتلوا وعلى النوق والجمال التي خصروها ، وصاروا يدعون على ناصر حيث أنه ابتدأ بالشر مع الضفير وغزاهم أولا. وحالا كتب مهنا إلى ابنه ناصر بدمشق وعرفه بجميع ما جرى مع عرب الضفير وأرسل الكتاب مع هجان خاص.
وبعد بضعة أيام حضر ناصر من دمشق ، ومعه جوخدار كبير من طرف الوزير وهو يحمل كتابا (١) مشددا مضمونه اشعار لكامل العشائر والقبائل يحيطهم علما بما يلي : «إننا قد وجهنا ولدنا الأمير ناصر المهنا على كامل أيالتنا (٢) ومأواه (٣) ومنازل العربان. المراد من الآن وصاعدا أن تكونوا في قدم الإطاعة في كل ما يأمر به ، ومن لا يطيع ويهتدي لا أمان له ولا رأي ، فيقتضي عندئذ أن نرسل حالا عساكرنا المنصورة فتنهب أرزاقكم وتحرق بيوتكم ، ونسلّم حريمكم إلى العساكر ونجعلكم عبرة لمن اعتبر. ها نحن قد أنذرناكم فاحذروا من الحركات المخالفة واعتبروا ذلك».
وهذا كان بتدبير ناصر المهنا ، وكان أكثر خوفه من قبيلته ، بسبب الرجال العشرة الذين قتلوا. وبذلك الوقت كانت الأراضي امتلأت من العربان ، فصار ناصر يعلمهم بوصول هذا الكتاب ، وكل من حضر يقرأه له ، ويتكلم مع الجوخدار بالتركي ، مع أن كل ذلك ما كان عند العربان بثقل حبة خردل.
٢ / ٢٢ وفي أثناء ذلك حضر / في بعض الأيام شيخ قبيلة الرّفاشة ، المسمى ذرّاك بن معجل ، شاب نشيط ، فتلا عليه الكتاب وجعل يقول له : هؤلاء حكام ولهم ملك كبير في اسلامبول ، وسيف السلطان طويل ، ويجب الإطاعة لهم والخضوع ، ولا تكن أنت غير طائع
__________________
(١) في الأصل : بولردي أي مرسوم.
(٢) «إيلتنا» أي ولايتنا.
(٣) كذا ولعله يريد المكان الذي يأوي إليه.