ومرادهم تنكيس بيت ملحم نكاية بناصر. فبلغ الخبر العجوز (١) مهنا فانحصر جدا وأمسك بذقنه وقال : يا ناصر ، أتريد أن تهان هذه الشيبة عند آخرتها؟ غدا يذهب العربان جميعهم ويلتحمون (٢) مع الدريعي بن شعلان ، ويحضرونه إلى هذه الديرة ويملكونه إياها ، غصبا عنا وعن العثماني ، فإذا حصل ذلك فأين يكون لنا مأوى ، فنضطر أن نهجّ (أي ننهزم) إلى عند ابن مسعود (أعني الوهّابي) ، حتى يحمينا من شر الدريعي وفعله المشهور. أما تذكر الله يا شين (أعني يا ردي).
فبعد ذلك جلست أنا والشيخ إبراهيم وأفهمته كامل ما حصل. فسكت حصة وقال : يا ولدي ، اعلم أن هؤلاء الناس غير نافعين لصالحي لأن الوئام لا يوجد بينهم وبين العشائر ، ومرادي أن أتقدم إلى ناحية بغداد ، إلا أن هؤلاء الأقوام ، بسبب العداوة وعدم المحبة بينهم وبين العربان ، لا يستطيعون التقدم إلى المشرق ، بل إن من صالحهم أن يبقوا دائما في نواحي البلاد تحت نظر العثماني. ولذا علينا أن نقضي هذا الصيف معهم ، ومتى حان الربيع ندبر أحوالنا. ثم قال لي : أريد منك أن تستخبر ، بكل لباقة ، من أحد العربان ، عن الدريعي ومن يكون من الناس وما هي أحواله وما هي أطباعه ، وإذا كانت إقامته دائما في نواحي ديرة بغداد أم أنه يتقدم أكثر فأكثر إلى نواحي المشرق (٣) ، حيث لي بذلك مصلحة كبيرة. فابتدأت أبحث عن من يخبرني بمطلوبي ولا يكون من عرب مهنا ، فوجدت واحدا من ٢ / ٢٣ البدو يسمى عبد الله الشاعر ، من دير الشّعّار / قرية على حافة نهر الفرات ، واستخبرت منه عن الدريعي. وبما أنه شاعر فهو يعرف جميع العربان وأحوالهم ، فأخبرني عن الدريعي وأحواله ١ / ٤٥ ومزاياه بالتفصيل ، وصرنا نتسامر بخصوص الحال الواقع من ناصر (٤) ، / فقلت له : يا عبد الله (هذا اسمه) ، إن الناس تلهج بذكر الدّريعي كثيرا ، فمن هو هذا الرجل من الناس. قال : يا سيدي إن الدريعي رجل عظيم بين أبناء عصره ، شجاع ، عظيم بالحرب شديد بالقتال ، جرّبته المعارك ، فارس لا يوصف ، له معارك شتى انتصر بها جميعا مع العرب على الحضر ، حتى أنه لا يحسب حساب الوهابي نفسه. ومن جملة أفعاله أنه كسر أرضي (٥) وزير
__________________
(١) في الأصل : «الاختيار» ، ويريد الصائغ أن يقول : الختيار أي الرجل المسن.
(٢) أي يصبحون لحمة واحدة.
(٣) أي إلى جهات الإيران وحدود الهند.
(٤) تتمة الكلام صفحة ١ / ٤٥ و٢ / ٤٥ و١ / ٤٦ من المخطوطة.
(٥) جيش.