خمسة طوابير ، ودار بهم على أطراف الأرضي ، وعمل إشارة ، وهجم وهجمت الطوابير الخمسة بلحظة واحدة كأنهم الأسد الخاطف ودخلوا أرضي بغداد وابتدأ ضرب السيف والقتل. وكان عساكر العثماني أكثرهم نائمين ومعلقين أسلحتهم ، فقاموا من نومهم مثل المجانين ، وصاروا يقتلون بعضهم بعضا ، فانكسر الأرضي وصاح فيه غراب البين ، فنظر الوزير إلى ذلك واضطرب (١) وخاف جدا ، فما وعى الناس إلا وقد ركب بطاق المسد ، من ١ / ٤٦ غير بابوج ، وانهزم ودخل بغداد ، / وكذلك العساكر ، منهم من قتل ومنهم من رمى روحه بالدجلة. وغنمت العربان جميع ما حوي الأرضي ، من خيل وسلاح وعدة خيل وقومانية (٢) وذخائر ودراهم وملبوس وخيم ومدافع ، وجميع ما كان بالأرضي من كلي وجزئي ، شيء كبير القيمة. وقتل من العسكر عدد وافر. ودخل الوزير بغداد ولحقه من استطاع ، وأغلق الأبواب ، وظن أن العربان لا حقون به إلى داخل البلد ، ودخل عليه الخوف والوهم (٣). ووقعت سطوة الدريعي في قلوب أهالي بغداد ، حتى وصلت إلى الأطفال يخوفونهم بالدريعي لكي يناموا. وشاع خبر الدريعي بعد ذلك وكبر صيته عند العرب والحضر حتى وصل إلى الوهابي وإلى كامل البادية (٤) والمسكون (٥). والآن لا يوجد بين العربان من هو أكبر منه. ومن جملة أطباعه أنه يحب الكبر والمال ، والمشي في الدروب الصعبة والوصول إلى المعالي. وهذه مزايا الدّريعي ابن شعلان. فحكيت جميع ذلك إلى الشيخ إبراهيم فسرّ وقال : هذا هو الرجل الذي يتمّ مطلوبي (٦). وفرح الشيخ إبراهيم وكان مسرورا مني جدا.
وثاني يوم ، دعاني ناصر وأملى علي كتابين ، الواحد إلى صدد والآخر إلى القريتين ، مضمونهما طلب الخوة منهم. وذلك لأن له كل سنة من صدد راتب قدره خمس مئة غرش وست مشالح ، وكذلك له ألف غرش وست مشالح من القريتين. ومن كل ضيعة له خوة ، وذلك من جميع قرى طبراق حلب وحماة وحمص ودمشق ، كل قرية على قدر أهميتها. وهذه الخوة لا بدّ منها مثل الميري ، وأكثرها يعطيها أهالي القرى المساكين إلى مهنا ، ليرد عنهم
__________________
(١) «وانعبط».
(٢) مؤونة.
(٣) ذكر هذا الحادث عبد الله فيلبي في كتابه : تاريخ نجد ، ص ١٢٣.
(٤) «الشول» أو «الجول» كما جاء في أماكن أخرى من المخطوطة.
(٥) أي المعمورة.
(٦) بقية الصفحة بياض.