وأما باقي البيوت فكانت في غير أمكنة. وهذه هي عادتهم حتى لا يزاحم بعضهم بعضا على الماء والمرعى ، لأن البرية (١) واسعة ، فتنقسم القبيلة إلى قسمين أو ثلاثة فيكون الماء والمرعى عندهم بكثرة. فأهدينا لشيخهم وكبرائهم بنحو خمس مئة غرش من ألبسة ودراهم ، لأن ١ / ٣٠ الشيخ إبراهيم كان مسرورا كثيرا منهم إذ كانوا عشورين جدا / ويحبون الضيف. وفي ذات يوم إذ كنا ندور بين العربان ، مررنا على بيت أرملة عجوز ، فركضت وسحبتنا إلى بيتها وذبحت لنا رأس غنم ، ولم يكن عندها غيره ، واستجدت (٢) خبزا من عند قصرانها (٣) (يعني جيرانها) ووضعته أمامنا. فقلنا لها يا أمنا العجوز لأي سبب هذه الخسارة؟ قالت من زار إنسانا ولم يضفه فكأنه زار ميتا. فسرّ الشيخ إبراهيم من كلامها وقال لها : يا أمي العجوز : ما لك أحد؟ قالت : ما لي غير الله ، لأني غريبة ولست من هذه القبيلة ، أصلي من عرب بغداد من قبيلة يقال لها () (٤) وأميرها اليوم () (٥). وكان خطفني زوجي منها وأحضرني إلى هذه الديرة. وكان لي أولاد ورجال ، منهم من مات موتا طبيعيا ومنهم من قتل في حرب الوهابي. لأن في ذلك الوقت كان الوهابي مقتدرا ويقاتل العرب الذين يرفضون طاعته ولا يعطونه الزكاة أي العشر (٦).
ثم رجعنا إلى بيت فدغم ابن اسراج. وكانت إقامتنا عنده سبعة أيام. وتوجهنا إلى عرب قبيلة بني صخر مع هلال واثنين آخرين من عرب السردية. وكان سيرنا إلى الشمال للغرب ، كل ذلك النهار إلى المساء. فوصلنا إلى نزل عرب صغير نحو عشرين بيتا من عرب السردية. فبتنا تلك الليلة عندهم. وثاني يوم مشينا على طريقنا الأول ، وقبل غياب الشمس وصلنا إلى النزل ، وكان نحو ألف وخمس مئة بيت ، في أرض عظيمة يقال لها الرّبرابية. فدخلنا إلى بيت أميرهم الذي يقال له سلامة ابن نجر. وتحوي قبيلته على ألفين وسبع مئة بيت : رجال مشهورة ، خيل عظام ، أغنياء أكثر من السرحان والسردية. وأما أميرهم سلامة فرجل كريم ولكنه خفيف العقل. كل من جاء عنده يظن أنه جاسوس يريد أن يقطع رأسه. وكل
__________________
(١) «الجول».
(٢) «وشحذة».
(٣) القصير ، بالمصطلح البدوي ، هو من يلتجئ إلى عشيرة غير عشيرته ويعيش بين أهلها.
(٤) كلمة غير مقروءة ، وكتب الصائغ في الهامش : خنكار.
(٥) «الدريعي ابن شعلان» ، ولكن الصائغ خط على هذا الاسم بالحبر الأسود.
(٦) «من العشرة واحد».