توفيقنا. فقال لي الشيخ إبراهيم : يا ولدي ضاع عقلك ومعرفتك ، اما كنت وعدتني بالوصول عند الدريعي؟ قلت : نعم ، ولكن ما كنت أتوقع ما حدث من الأمور. وأما من خصوص الذهاب عند الدريعي ، فيظهر لي أن هذا الأمر عسير جدا. فإن كنت ترغب في الوصول إليه لأجل البيع والشراء ، فإني لا أرى ضرورة ذلك. وأنا الذي أحب المتجر أكثر منك صغر في عيني. ولكن إذا كان مرادك الوصول إليه لأجل غايات أخرى ، فعرفني بها حتى أعمل حسابي. قال : اعلم يا ولدي أن سفري هذا مقسوم إلى عشر نقاط مرتبة من حين خروجي من باريس (١) : أولا الوصول من باريس (٢) إلى حلب بالسلامة ، ثانيا الحصول على إنسان موافق لأوامري ومطيع لأقوالي مثلك ، ثالثا تعلمي اللغة العربية وتقويتي بها ، رابعا الوصول إلى تدمر ، خامسا الدخول عند العرب بطريقة مناسبة تغطي أهدافي ، سادسا كشف أحوال العربان وأمورهم ومعرفة كبارهم واكتساب صحبتهم ، سابعا رمي الاتحاد والوفق والمحبة بينهم حتى يكونوا جميعهم برأي وعمل وقول ويد واحدة ، ثامنا ابعادهم عن محبة العثماني وعشرته ، تاسعا معرفة كافة الصحاري ومياهها ومنازلها والمسالك الملائمة إلى حدود الهند ، عاشرا الرجوع بالسلامة إلى بلاد سورية. فقلت : وبعده يا سيدي ، ما ذا يكون الهدف من ذلك؟ فقال : أنسيت الشروط؟ لا تسألني عن شيء بل أنا من نفسي رويدا رويدا أعرفك إذا اقتضى الأمر ، فإلى الآن يكفي الذي قلته ، فدبر حالك واعلم أن لا بدّ من الوصول عند الدريعي ولو متنا.
فتلك الليلة حرم النوم على عيني من شدة الأفكار ، وما كنت أستطيع أن أجد طريقة لتنفيذ ذلك. ومن بعد أن استعرضنا اراء كثيرة ، تحسن عندي أن أذهب منفردا عند الدريعي ، وأدبر فيما بعد طريقة لاحضاره عندي ، لأن ذهابي منفردا أسهل ، بسبب طلاقة لساني الطبيعية باللغة العربية ، فمن الممكن أن أدخل (٣) [البادية] من غير أن يعرفني أحد ، لأني أثناء ذلك كنت تقويت باللهجة البدوية ، وصرت أتكلم معهم كأني واحد منهم. وذلك من جرّاء دورتنا عند عرب حوران وبلاد الجليل ، وقد نفعتني تلك الرحلة الصغيرة جدا.
فقمت يوما وتوجهت عند صاحبنا موسى بن ورده الذي كان طمرني في بطن ١ / ٣٢ الكديش ، وأعلمته مرادي سرا فقال : أمهلني اليوم وغدا أعطيك الجواب. / ولما كان الغد
__________________
(١) باريز.
(٢) باريز.
(٣) «أفوت».