كل واحد منا صيدا واصطدت بومة ثم انصرفنا ، وعرضنا صيدنا عليه فجعل من كان معنا من الخدم يقول هذا صيد فلان وهذا صيد فلان حتى عرض عليه صيدي ، فلما رأى البومة وقد كان الخدم اشفقوا من عرضها لئلا يتطير بها او ينالني منه غلظة ، فقال من صاد هذه؟ قالوا : ابو اسحاق ، فاستبشر وضحك واظهر السرور. ثم قال اما انه يلي الخلافة ويكون جنده واصحابه والغالبون عليه قوما وجوههم مثل وجه هذه البومة فيبنى مدينة قديمة وينزلها بهؤلاء القوم ثم ينزلها ولده من بعده ، وما سر الرشيد يومئذ بشيء من الصيد كما سر بصيدي لتلك البومة» (١). وهذه القصة لا تخلو من ان تكون موضوعة على غرار الاسطورة التي وضعت عند ما اختار ابو جعفر المنصور موضع مدينته المدورة ، وقد ذكرها ياقوت الحموي في معجمه البلداني (٢). ومعالم وضعها ظاهرة ، اذ كيف يتوقع هارون الرشيد ان يلي ابنه ابو اسحاق الخلافة وهو لم يدخله مع ولاة العهد من اولاده الذين كتب لهم كتاب العهد! ويرجح انها وضعت فيما بعد بشكل يلائم احوال المعتصم بالله.
نظر المعتصم بالله الى فضاء واسع تسافر فيه الأبصار ، وهواء طيب ، وارض صحيحة ، فأستمرأها واستطاب هواءها ، واقام هناك ثلاثا يتصيد في كل يوم ، فوجد نفسه تتوق الى الغذاء وتطلب الزيادة على العادة الجارية ، فعلم ان ذلك من تأثير الهواء والماء والتربة. فلما استطاب الموضع دعا باهل الدير فاشترى منهم ارضهم باربعة الآف دينار (٣). وعرفت هذه المنطقة قديما بصحراء الطيرهان وقصبتها الماحوزة ، وهي التي بنى فيها المتوكل على الله عاصمته المتوكلية فيما بعد. ومن المواضع الشهيرة فيها قبل ان يختارها المعتصم بالله ليقيم عاصمته فيها موضع يسمى (دور عربايا)
__________________
(٤٠) كتاب البلدان / ٢٥٧.
(٤١) معجم البلدان ١ / ٤٥٨ ـ ٤٥٩.
(٤٢) مروج الذهب ٤ / ٥٤.