بنواحيها ماء يجري إلا أنهار القاطول التي تصبّ بالبعد منها إلى سواد بغداد. وعمارتها ومياهها وأشجارها في الجانب الغربي بحذائها ممتدة ، والمواضع التي ذكرتها مدادا هي مدن قائمة بينها كدور العرباي والكرخ ودور الخرب وصينية سر من رأى نفسها في وسطها ، ومن أول ذلك الى آخره عند دور الخرب نحو مرحلة لا ينقطع بناؤها ولا تخفى آثارها ، وهي إسلامية ، ولما ابتدأ بناءها المعتصم استتمه المتوكل ، وهواؤها وثمارها أصح من ثمار بغداد وهوائها ولها نخيل وكروم وغلات يحمل إلى مدينة السلام. وهي الآن خراب أكثرها (١) ، وكلامه عن تجمع النواحي ومساجدهم الجامعة وإدارتهم قد ينطبق على بعض المستوطنات حولها كالقادسية والمطيرة والماحوزة والدور. ونقل أبو الفدا عن العزيز المهلبي أن سامرّاء على شاطىء دجلة الشرقي ، وهو بلد صحيح الهواء والتربة ، قال وليس فيها عامر اليوم سوى مقدار يسير كالقرية ، «ونقل عن ابن سعيد بناها المعتصم وأضاف إليها الواثق المدينة الهارونية ، والمتوكل المدينة الجعفرية فعظم قدرها» (٢). وفي هذا النص إبراز لأهمية الهارونية ، غير أن كلامه من حيث العموم مقتضب ، ولا يشير إلى من سكنها من الناس. خصّ ياقوت سامرّاء بفصل طويل ذكر فيه اشتقاق اسمها وتحديد موقعها وقدمها ، ومحاولات السفاح والمنصور اتخاذها عاصمة لهما ، ووضع الأتراك في بغداد ، ثم نقل ما ذكره المقدسي ، وقصورها وكلفتها ، وقصائد في أحوالها وذكر أنها خربت فلم يبق منها إلا موضع المشهد الذي ترى الشيعة أن به سرداب القائم المهدي ومحلة أخرى بعيدة منها يقال لها كرخ سامرّاء ، وسائر ذلك خراب يباب يستوحش الناظر إليها.
ونقل عن العزيزي للمهلبي قوله «وأنا اجتزت بسر من رأى منذ صلاة الصبح في شارع واحد ماد عليه من جانبيه دور كأن اليد رفعت عنها للوقت لم تعدم إلا الأبواب والسقوف ، فأما حيطانها فكالجديد ، فما زلنا نسير إلى بعد الظهر حتى انتهينا إلى العمارة منها ، وهي مقدار قرية يسيرة من وسطها ثم سرنا
__________________
(١) صورة الأرض ٢١٨.
(٢) تقويم البلدان ٣٠١.