فأما المطيرة فقد أنزلها الأفشين الأشروسني الذي بنى فيها قصرا وأقطع أصحابه الأشروسنية وغيرهم من المضمومين إليه حول داره ، وأمره المعتصم أن يبني هناك سويقة فيها حوانيت تجار فيما لابدّ منه ، ومساجد وحمّامات ، وكانت المطيرة تبعد فرسخين عن معمور مركز سامرّاء وليس في ذلك الموضع شيء من العمارات ثم أحدقت العماره فيه ، وكانت للحسن بن سهل قطيعة في آخر الأسواق تمتد إلى خشبة بابك ، فامتدّ بناء الناس من كل ناحية ، واتّصل البناء بالمطيرة حتى صارت قطيعة الحسن بن سهل وسط سرّ من رأى (١).
أما الكرخ فقد أقطعه أشناس وأصحابه «وضمّ إليه عدة من القواد الأتراك والرجال ، وأمره أن يبني المساجد والأسواق (٢) وأمر أشناس أن لا يطلق لغريب من تاجر ولا غيره مجاورتهم ، فأقطع قوما آخرين فوق الكرخ وسمّاه الدور.
وجعل في كل موضع سويقة فيها عامة حوانيت الفاميين وهم باعة البقول والقصابين ومن أشبههم ممن لابدّ لهم منهم ، ولا غنى لهم عنهم. (٣) ويوحي هذا النص أن هذه السويقات كانت للأتراك ولم يشغلها غرباء. أما خاقان عرطوج الذي أقطع مع أصحابه قرب الجوسق ، ووصيف الذي أقطع مع أصحابه عند الحير (٤) ، فلم تذكر في قطائعهم أسواق ولعل الاعتماد في ذلك كان على السوق الرئيسية.
أما أهل الصناعات والحرفيون من أهل المهن ، فكان لابدّ من جلبهم من المناطق الأخرى. وقد ذكر اليعقوبي منهم من جلب من البصرة والكوفة ومصر ، وأشار إلى أنه جلب أيضا من بلاد أخرى لم يسمّها والراجح أنه جلب من كل بلد صنّاع صناعة واحدة كالحرفيين الذين جلبوا من الكوفة والبصرة ، وبذلك تنسقت أصولهم الجغرافية مع حرفهم ، إلا أن الدولة عاملتهم على أساس حرفهم وراعت تميّز هذه الحرف ، ولعل أكثر الصناع أسكنهم المعتصم في الجانب الغربي.
__________________
(١) البلدان ٢٥٦.
(٢) م. ن ٢٥٨.
(٣) م. ن ٢٥٩.
(٤) م. ن ٢٢٨.