الوجوه وأهل النباهة :
يقول اليعقوبي «انتقل الوجوه والجلة والقوّاد وأهل النباهة من سائر الناس مع المعتصم إلى سرّ من رأى في سنة ٢٢٣ ، ثم اتصل بهم المقام في أيام الواثق والمتوكل ، ولم تخرب بغداد ولا نقصت أسواقها لأنهم لم يجدوا فيها عوضا ، لأنه اتصلت العمارة والمنازل بين بغداد وسرّ من رأى في البر والبحر ، أعني في دجلة وفي جانبي دجلة» (١).
حدّد اليعقوبي المنتقلين من بغداد مع المعتصم «الوجوه والجلّة والقواد وأهل النباهة من سائر الناس» ، وأن مقامهم في سامرّاء دام حتى نهاية خلافة المتوكل (٢٢٣ ـ ٢٤٥) أي قرابة ربع قرن كانت الأحوال فيها مستقرة وللخلافة مكانتها العليا المطلقة. وقد يوحي هذا النص أن تدهور سامرّاء بدأ منذ مقتل المتوكل الذي تلاه تدهور الأحوال المالية واضطراب الأمن بسبب الانقلابات العسكرية المتتابعة.
لم يفصل اليعقوبي في «الوجوه والجلة وأهل النباهة من سائر الناس» ولعله قصد المقربين من الخلافة ورجال الحكم والإدارة المثقفين عموما ، ويلاحظ أن إقطاعات المعتصم في سامرّاء لغير القادة والجند اقتصرت على إقطاعات لأربعة من رجال الأسرة العباسية ، وإقطاعات لكبار رجال الدواوين ، ولطبيب واحد هو بختيشوع ، ولعل الوافدين على سامرّاء أبيح لهم البناء ، ولم يقطعوا إقطاعات واسعة ، ويقول ابن الداية إن المعتصم لما بنى سامرّاء أمر الموالي والقواد باللحاق به (٢) ، ولم يخرج معه من أهل بيته إلا العباس بن المأمون وعبد الوهاب بن علي ، وذكر الطبري أن المهتدي بايعه هاشميون والقضاة والمعدلون وأصحاب المراتب (٣).
__________________
(١) البلدان ٢٥٤.
(٢) عيون الأنباء في طبقات الأطباء ٢٣٦.
(٣) الطبري ٣ / ١٧٩٤.