ترجم الخطيب لثلاثة وعشرين نسبهم إلى «العسكر» (١) ولابدّ أنه قصد سامرّاء ، وورد في أخبار الخلفاء الذين اتخذوا مقامهم في سامرّاء أسماء عدد غير قليل من الشعراء والكتّاب والأدباء والأطباء والمهندسين والفلاسفة والعلماء والمغنّين والجواري ممن لابدّ أنهم كانوا مقيمين بصورة دائمة أو لمدة غير قصيرة فيها ، ولكن كتب التراجم التي ألّف أكثرها في بغداد ، لم تشر إلى أقامتهم في سامرّاء ، مما ترك انطباعا غير صحيح أنهم من بغداد التي نسب إليها كثير من النشاط الفكري في سامرّاء إبان ازدهارها ولا ريب في أن قصر مدة ازدهار سامرّاء وامتداده في بغداد عمل على دمج نشاط أهل سامرّاء ببغداد التي لابدّ أنها احتفظت بمكانتها العلمية وخصوصا في علوم اللغة والدين. وترجم ابن النديم لأحد عشر من أهل اللغة والأدب والحديث ذكر أنهم ولدوا أو تواجدوا في سامرّاء.
يظهر نص اليعقوبي الذي ذكرناه أعلاه أن قيام سامرّاء لم يؤدّ إلى تدهور الحياة الاقتصادية في بغداد التي احتفظت بأسواقها وما يتصل بها من نشاط تجاري ، ولم يرد ذكر لهجرة التجار من بغداد أو تحوّل المؤسسات التجارية إلى سامرّاء ، فظلت بغداد مركز التجارة العالمية ، وامتد نشاطها إلى سامرّاء التي لم تعمل على نقل التجارة إليها ، وإنما اقتصرت على نقل أصحاب الحرف لسد حاجاتها المحلية. وظلت مركز النشاط التجاري إلى أواخر الربع الأول من القرن الثالث.
إن اتخاذ الخلفاء سامرّاء مقرا لمقامهم ، ونقل معظم الجند والحاشية إليها رافقه استلامها جبايات الأقاليم مما أمن موارد مقنّنة ومنتظمة لمجموعات المهيمنين وقدرتهم على الصرف لتأمين حاجاتهم المعيشية. وقد أدى هذا إلى إنعاش الناس وأصحاب الصناعات والمهن والبياعات بمختلف أعمالهم التي تخدم هؤلاء المهيمنين من كبار رجال الجيش والإدارة إلى صغار الجند والكتّاب ، ولابدّ أن مشاريع الإرواء القائمة في الجانب الشرقي والتي فتحت
__________________
(١) بغداد مدينة السلام ٢ / ٢٢٦ ـ ٧.