الفصل الثاني
المأمون وأهل بغداد
بغداد قبل خلافة المأمون :
حرص الخلفاء العباسيون الأوائل على تثبيت السلم والأمن في بغداد بعد تأسيسها فازدهرت فيها الحياة الاقتصادية والفكرية. وتزايد سكانها بمن أمّها وأقبل على الإقامة فيها ، وكوّن قرب السكن والمصالح المادية والفكرية تعاونا في الحياة والتعايش وتوثيق الروابط بينهم دون أن يضعضعها تعدّد التيارات الاجتماعية والفكرية التي ظهرت فيها وزادت في حيويتها وتقدير الناس لأهميتها في ازدهارهم وتقدّمهم (١).
وكان النزاع بين الأمين والمأمون الذي امتد سنوات وأدّى إلى حرب طاحنة وحصار شديد قد أحدث رجة واسعة وعميقة في حياة أهل بغداد. وقد اعتمد المأمون في محاولته الانتصار على قوات من خراسان الذين كانوا عماد ثورة العباسيين ونجاحهم في القضاء على الدولة الأموية وإقامة خلافتهم وتأمين السلم في بغداد وإعادة التماسك في وحدة الدولة. ولكن القوات التي أرسلها المأمون كانت تتحدى مكانة بغداد المتميزة. وقد أفلح المأمون في تحطيم الجيش الذي كان يدافع عن الأمين وخلافته ، ولكن أهل بغداد عوضوا عن هذا الفراغ عسكريا بقيام القادرين على القتال من أبناء الشعب ومن غير الجند بالدفاع عن مدينتهم ، فلم يفلح طاهر بن الحسين بجيشه المدرب المنتصر في أن يخترق حصار بغداد التي صمدت أكثر من سنة ، ولم ينهر دفاع أهلها إلا بعد
__________________
(١) انظر كتابنا «بغداد مدينة السلام» وبخاصة الجزء الثاني.