وبهذا القرار عمل على إبقاء تميّزهم العرقي وما يتبعه من مظاهر الحضارة واللغة. ولا بدّ أنه فضل في الجواري اللاتي اشتراهن لهم أن يكنّ من الأتراك أيضا. وهذا عمل متصل بالأحوال الحضارية بالدرجة الأولى. ولم يرد ذكر لعمل للمعتصم يهدف إلى الحفاظ على كفاءتهم القتالية وتدريبهم العسكري.
وهذه التنظيمات لم يرد ذكر لمثلها أو لما يشبهها في أي مكان آخر في تاريخ الإسلام ونظمه ، وهي لا تنسجم مع أحكام التشريع الإسلامي إلا على الرقيق ، فكأنه ينفّذ ذلك عليهم باعتبارهم ونسلهم رقيقا ، ولا نعلم مدى تطبيقها على رقيق وغلمان الآخرين ، علما بأنها تتطلّب تنظيمات خاصة في سجلات الدواوين ، وأنها كانت مكلفة ماديا ؛ ولم تذكر المصادر تطبيقها على غير الأتراك ، ولعل بعض المبرر لذلك أن أصلهم رقيق ، وأن عددهم غير كبير.
وأمر أشناس التركي الذي أقطع الكرخ «أن لا يطلق لغريب من تاجر وغيره مجاورتهم ويطلق معاشرة المولدين» وأمره أن يبني المساجد والأسواق.
وجعل في شارع الأسكر ، وهو شارع صالح العباسي «قطائع الأتراك في دروب منفردة ، والفراغنة في دروب منفردة ، ممتدة من المطيرة إلى شارع صالح العباسي».
تنظيم الأتراك وعطاؤهم :
ورد أول ذكر لتنظيم الأتراك وعطائهم في زمن المتوكل الذي لما بويع «أمر للأتراك برزق أربعة أشهر ، وللجند والشاكرية ومن يجري مجراهم من الهاشميين برزق ثمانية أشهر ، وأمر للمغاربة برزق ثلاثة أشهر» (١). ولا ريب في أنه أعطاهم في هذا الحد الأعلى المرضي لهم في هذه المناسبة التي تستحق التكريم لإرضائهم. إلا أن المصادر لم تذكر ما كان يعطى لهم قبل ذلك.
وذكر الطبري أن المستعين قال للأتراك الذين زحفوا إليه وهو في الجوسق : «ألم ترفعوا إليّ في أولادكم ، فألحقتهم بكم ، وهم نحو من ألفي غلام ، وفي
__________________
(١) الطبري ٣ / ١٣٧٠.