التخلخل الذي أصابهم جراء الحصار الاقتصادي وتخاذل عدد من ذوي المصالح المادية في بغداد.
موقف أهل بغداد من انتصار المأمون :
أظهر مقتل الأمين وانتصار جيوش المأمون قضايا متعددة يتجلى منها نفور أهل بغداد من انتصار المأمون الذي أدى إلى تفكك الجيش الذي كان يحفظ الأمن والنظام في بغداد. وقويت بتفككه «المليشيات» الشعبية في بغداد ، فتحدّت السلطة ، وعبثت بهيمنتها ، وتولت تأمين إدامة الحياة لأهل بغداد ، وانقسمت الأسرة العباسية فأيد فريق منها إبراهيم بن المهدي الذي نادى بنفسه خليفة فيها ، واضطرب الأمن خارج بغداد ، فثار عدد من الطامحين ومن أبرزهم أبو السرايا العلوي ، واعتمد في ثورته على أهل الكوفة الذين كانت لهم منذ القدم ميول علوية ، ولابدّ أن استياءهم زاد بنمو بغداد التي أصبحت مركز الخلافة والمكان الذي يهيمن رجاله على شؤون الدولة وتنصب فيه الجبايات.
ولابدّ أن هذه الأحوال أضعفت سيطرة الدولة على الريف وقادت إلى تفكك النظام فيه وتدهور الزراعة ، مما أدى إلى تناقص الجبايات التي تعتمد عليها الدولة في إعاشة رجالها وجندها.
أدرك المأمون أهمية بغداد ومكانتها المثبتة في الدولة ، وأدرك أن لباس الخضرة وتعيين عليّ الرضا وليا للعهد زاد من استياء بغداد التي فهم أهلها منهما أن المأمون معتزم السير على سياسة تخالف ما ألفه أهل بغداد واعتبروه جزءا من سماتهم المميزة ، فترك لباس الخضرة وعاد إلى لبس السواد ، وبذلك أضعف الأسس التي استند إليها المعارضون في تمردهم على المأمون ، ولم يتماد في اتّباع هذه السياسة المتحدية لمشاعر أهل بغداد ، وإنما عمل على تبديلها ، فقتل الفضل بن سهل الذي كان ذا ميول فارسية ويدفع المأمون إلى الأخذ بها. وتوفي علي الرضا. وانتقل المأمون إلى بغداد فدخلها سنة ٢٠٤ وأعاد لبس السواد ، وتغاضى عمن وقف ضده من أهل بغداد ، وعمل على لمّ شمل العباسيين ورجالهم ، وقرب العلماء وأهل الفكر ، وخفف الخراج عن الريف ، فجعله خمس المحصول بعد أن كان نصفه ، وأعاد نظام الجباية