المأمون نشأته وتوجهاته :
المأمون أكبر أولاد هارون الرشيد ولد في قصر الخلد في بغداد سنة ١٧٠ (١) من أم اسمها مراجل وهي بادغيسية ، وبعد ستة أشهر من السنة نفسها ولد أخوه محمد الأمين من زبيدة. وفي سنة ١٧٥ جعل الرشيد ابنه محمدا وليّ عهده (٢) ، وكان عمره آنذاك خمس سنوات ، وفي سنة ١٨٣ جعل ابنه المأمون وليّ عهد ثانيا يتلو الأمين ، وكتب بذلك كتابا علق نسخة منه على الكعبة توكيدا لوجوب احترامه ، وجعل في هذا الكتاب للمأمون السلطة على خراسان ثغورها وكورها وأجنادها وطرازها وبيوت أموالها وصدقاتها وعشورها ، من حدّ همدان إلى آخر المشرق (٣).
وقد اتخذ المأمون مقر إقامته في مرو ، وهي قاعدة إقليم خراسان الذي استوطنته منذ زمن معاوية جالية من العرب قوامها خمسون ألف مقاتل بعيالاتهم ، فتابعوا الفتوح في أواسط آسيا وضمّوا إليهم أعدادا كبيرة من مقاتلة أهل البلاد ، وتوزعوا على عدد من مدنها ، وحرص العباسيون على نشر دعوتهم بينها. وأفادوا من الانقسامات بين العرب ، فامتدت دعوتهم وأفلحوا في السيطرة عليها والتقدم إلى العراق بعد أن دحروا جيوشا أرسلتها الخلافة الأموية للقضاء على حركتهم.
ولما تطوّر الخلاف بين المأمون وأخيه الخليفة الأمين وحدثت الحرب بينهما اعتمد الأمين على الجيش المقيم في بغداد ، فلما اندحر هذا الجيش وتفكك ، اعتمد على أهل الجانب الغربي الذين أظهروا تماسكا وحمية في الدفاع عن مدينتهم وإفشال المحاولات التي قام بها جيش طاهر بن الحسين للتغلب على مقاومتهم ، وقد شاركت مختلف الفئات بمن فيها «الخراسانيون» المقيمون في بغداد ، في الصمود والإسهام في الدفاع عن مدينتهم ، ولم يرد في
__________________
(١) الطبري ٣ /. ١١٤٠
(٢) م. ن ٣ / ٦١٠ ـ. ٦١١
(٣) م. ن ٣ / ٦٥٤ فما بعد.