يجالسونه (١) ، وممن كان يحدثه في الفقه والمسائل اللؤلؤي» (٢). ورويت أخبار عن سماعه المناقشات ومشاركته في إبداء الرأي ببعضها ، ورحابة صدره ويقول : «أبحنا الكلام ، وأظهرنا المقالات ، فمن قال بالحق حمدناه ، ومن جهل الأمرين حكمنا فيه (٣)» ، وتروي الأخبار عن مجادلته بعض من ادّعى النبوة وأراد الارتداد عن الإسلام.
وقد تميز بحلمه واهتمامه بالطبخ ، وبالغناء والفنون ، ولم يعرف عنه اندفاع في رعاية الثقافات الإغريقية أو نقل كتبها ، ولم يذكر حنين بن إسحاق في قائمة الكتب التي نقلها إلى العربية أي كتاب منها نقل إلى المأمون.
وروي عنه أنه كان يرى الأرجاء ، ويرى أنه عقيدة الملوك (٤) ، وله رأي سيئ بأهل السوق فهو يرى أن أهل السوق سفلة ، وأن الصناع أنذال ، والتجار بخلاء (٥).
المحنة : نشأتها ودلالتها
اهتم المأمون في السنوات الأخيرة من خلافته بقضية «خلق القرآن» ووجّه من دمشق إلى واليه على بغداد إسحاق بن إبراهيم كتبا بإلزام الناس وبخاصة الفقهاء ورجال الحديث بإلزامهم على الإقرار بها. وتابع المعتصم والواثق من بعده توجّهاته إلى أن جاء المتوكل فأبطلها بعد خمس وعشرين سنة من بدايتها.
وبالنظر لما لها من دلالات على التيارات الفكرية والسياسية في بغداد ، وموقف أهلها غير المؤيد لتوجيهات الخلافة ، فإننا نورد بعض تفاصيلها لإظهار موقف أهل بغداد قبل أن يتولى المعتصم الخلافة ويجلب جنده الأتراك للإقامة فيها.
__________________
(١) طيفور ٣٠ ؛ وانظر عن القضاة ما كتبناه عن «قضاة بغداد في العصر العباسي» ضمن كتابنا «معالم بغداد العمرانية».
(٢) طيفور ٣٤.
(٣) المصدر نفسه ٤٦.
(٤) انظر «العقد الفريد» لابن عبد ربه ٦ / ٦٠ ؛ «الملل والنحل» للشهرستاني ١ / ٦٧ «مقالات الإسلاميين» للأشعري ٢ / ٥٤ ؛ «نثر الدر» للآبي ١ / ١٦٧.
(٥) نثر الدر ٣ / ١٠٨.