يذكر الطبري أنه في السنة ٢١٢ «أظهر المأمون القول بخلق القرآن وتفضيل علي بن أبي طالب» (١) ولم يذكر حوادث تبرئ إظهار هذا القول ، كما أنه لم يذكر عملا قام به المأمون في بغداد يتصل بهذا القول. وأول ما يكشف التدابير التي اتخذها لتنفيذ ما يتطلبه هذا القول هو كتاب وجّهه المأمون من بلاد الشام إلى إسحاق بن إبراهيم في ربيع الأول سنة ٢١٨ وأمره بامتحان الفقهاء في خلق القرآن وتغليبها على عقيدة كانت سائدة عند عامة بغداد في بعض قضايا الكلام ، إذ ذكر فيها : «وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة ممن لا نظر له ولا روية ولا استدلال بدلالة الله وهدايته ، والاستضاء بنور العلم وبرهانه في جميع الأقطار والآفاق ، أهل جهالة بالله وعمى عنه وضلالة عن حقيقة دينه وتوحيده ، ... ثم هم أولئك الذين جادلوا بالباطل فدعوا إلى قولهم ، ونسبوا أنفسهم إلى السنّة ، ... ثم أظهروا مع ذلك أنهم هم أهل الحق والدين والجماعة ، وأن من سواهم أهل الباطل والكفر والفرقة ، فاستطالوا بذلك على الناس ، وغرّوا به الجهال ، حتى مال قوم من أهل السمت الكاذب التخشع لغير الله والتقشف لغير الدين إلى موافقتهم عليه ، ومواطئتهم على سيّىء آرائهم تزينا بذلك عندهم ، وتصنعا للرئاسة والعدالة فيهم ، فتركوا الحق إلى باطلهم (٢)».
يتبين من هذا الكتاب
١ : أن «الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة نسبوا أنفسهم إلى السنّة ، ثم أظهروا مع ذلك أنهم هم أهل الحق والدين والجماعة». إن قوله «حشو الرعية وسفلة العامة» يشير إلى أن فيهم الطبقة الدنيا وإلى كثرة عددهم ، وأن توجيه الكتاب إلى والي بغداد يدل على أنه يصف مكانهم فيها. ويلاحظ أن المأمون كتب هذا الكتاب في سنة ٢١٨ ه ، أي بعد
__________________
(١) الطبري ٣ / ١١٠٢.
(٢) طيفور ١٨٤ ـ ٥.