أربع سنوات من مغادرته بغداد. ويدل عدم إصداره عندما كان ببغداد على أنه يعالج حالة استحدثت أو اتسعت بغيابه ، ولا يوجد ما يدل على أن هذا الموقف أملته الأحوال التي شهدها في بلاد الشام ومصر ، كما أنه لا يظهر أنه يعالج حالة مستجدة ، وإنما توجهات قديمة لا يشير إلى تاريخ ظهورها.
٢ : أنهم استطالوا بذلك على الناس ، وغرّروا به الجهال ، أي إن نفوذهم امتد إلى غيرهم ، وجلبوا إليهم جماعات من غير الخاصة.
٣ : لم تقتصر هذه الأفكار على حشو الرعية وسفلة العامة ، وإنما مال إليهم قوم «من أهل السمت الكاذب والتخشع لغير الله ، والتقشف لغير دين الله إلى موافقتهم ومواطئتهم على سيئ آرائهم ، تزيّنا بذلك عندهم ، وتصنّعا للرئاسة والعدالة فيهم». أي إنهم كانوا في الأساس كثرة ، ثم ازداد عددهم بسبب استطالتهم على الناس وسطوتهم ، فانضمّ إليهم عدد من الانتهازيين متطلعين إلى رئاستهم والسيطرة على أدلاتهم.
٤ : أنهم نسبوا أنفسهم إلى «السنّة» فأراؤهم لا تتصل بنظام الحكم والخلافة أو الإدارة ، أي إنهم ليسوا حزبا سياسيا وإنما كانت لهم عقائد في الإسلام تستند إلى واحد من أبرز أسس العقيدة والنظام ، فهم ليسوا من الفرق الزائغة والخارجة على الإسلام ، أو من المجموعات المعنية بالتيارات الفكرية المتصلة بالعلوم.
والسنّة تعبير أساسه ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم وما أقره الناس (الإجماع) من الممارسات المتعلقة بسلوك الناس وتصرفاتهم في العبادات والمعاملات والعلاقات بين الناس ، وسنادها الأخذ بالموروث وليس التفكير فيه ، فهو قائم على دراسة أسس الإسلام وممارساته في الماضي وتناقل أخباره وإحلال المعنيين به مكانة متميزة باعتبارهم المراجع في ذلك.
٥ : أنهم ممن لا نظر لهم ، ولا روية ولا استدلال بدلالة الله وهدايته ولا استضاءة بنور العلم وبرهانه في جميع الأقطار والآفاق ، لضعف آرائهم ونقص عقولهم وجفائهم عن التفكّر والتذكر ، أي إنهم لا يقيمون أراءهم على العقل والتفكير وإنما على التلقين.